لمن تترك كُل هذا ؟
أعلم أن الوقت ما عاد يترُككَ تُلقي نظرةً نحوي
وأني أصبحتُ أمنيةً مُترهلة كانت فيما مضى معجزةً لقلبٍ وحيد
قلبُكَ يا ابني .. قلبُك
أيُ القواربِ تصطليه الآن؟. وأيُ المراسي تجعلهُ يُصلي نحوها ؟
وفي أي جهةٍ تحكي لجناحيّ حُلمه أن تكسيك
من كذب عليك؟
من قالَ لكَ أن الأُمهات يتشابهن مهما اختلفت ألوانهن وأحجامهن وملامحهن؟
من قالَ لكَ أن القلبَ واحد
من سيّر على عقلكَ فخطفكَ مني ؟
ما كنتُ أظنُ أني سآتيكَ يوماً وأقفُ على نبرةِ دمعةٍ منك ، وأراكَ تنظرُ إليّ مشدوهاً إلى الغُبار الذي يدثرني
كُنت تعلم أني آتيةٌ من ماضيك .. من الخرافةِ العتيقة لخيالٍ فيك كان يشتهيني
وكان يُطلق عليّ إسم فردوس
وما عرفتني .. ما عرفتني .. ما عرفتني
حتى قُلتُ لك :
– أنا أمُك
لم تتلعثم ، لم تُجحظ بعينيكَ تضُمني , لم تُخبرني في العتابِ ما أخرك!
قلتُ لك : جئتُ لأرويكَ .. فتبعتني
جئتُ أصمتُ لترويني .. فتركتني !
يا ابني .!!
كنتُ بقربكَ وأنتَ تشاهد التلفاز ، وأنتَ تلعبُ مع أناسٍ غُرباء ، وأنت تجلسُ مهموماً فوقَ كرسيِ من ضَجَر
كنتُ أُلوح إليكَ من تحتِ الأسرة ، من مدى الضبابِ ، من غُرفٍ مُقفلة وما رأيتني
كنتُ أدعوكَ وحدنا ليلاً .. وكنتَ أصم ، أعجم ، جاف ، وتائِه
كنتُ أُخبركَ النهار يمكن أن يجمعنا دوماً ، وكنتَ دوماً مشغولاً أو نائم
كنتَ تستطيع أن تجمعني مع كلِ شيءٍ دوماً في قلبك
لكنكَ بكل بساطة لم تكن لتلتفتَ إلي ..
كنتَ كالسطرِ بلا كلمات .. فااااااااارغ
ما الذي يترككَ تَركبُ الأسئلة بلا ردود
والغرق بلا اختناق يخبرك ما معنى الهواء في دُنيا الآخرين
والمسارات بلا حلم
والأحذية بلا جوارب ؟!
قُلي .. من اي خطٍ زائفٍ انفصلت ؟
وأي خفةٍ أظهرتها للناس في عينيكَ وأنا علمتُك العُمقَ دون أن يراكَ أحد؟
يا ابني ..
لا تقل بكل حزمٍ للعودة : لا
ولا تدعني أمضي وحيدة إلى كَم الأمهات المتكدسات في البياض
يأكلن بعضهن ، ويضجرن من بعض .. ويبكين قوماً كاملاً من الحياة
لا تدعني في الخديعة
ولا تدع مُستقبلك .. إن مُستقبلكَ أبوك
وإن أباكَ حزينٌ عليكَ اليومَ جداً .. حزييين
أخبرهُ أنكَ آتٍ بقلبِ صادقْ .. وأنكَ ستحفظَ كرامتي بين كل ما هو حولك
مع كُلِ حُبي :
الكتاب .. الكتاب الذي ما عُدتَ تقرأه وشغلتكَ الدنيا عنه