حينما سُئل الخطاط والشاعر الراحل محمد سعيد الصكار، أين يجد نفسه في مجالات الإبداع؟ أجاب قائلا : ” أنا أقرب إلى الشعر، لكن هناك رأي يقول أنني شاعر في خطي، وملون في شعري، وأحب التنويه هنا إلى نقطة طريفة، هي أنني، في الواقع، مدلّل، أنا أدلّل نفسي في التنقل الحر بين اهتماماتي، فعندما أبدأ الخط، لا أخط لوحة أو لوحتين أو ثلاثة، لكن لا أسمح لنفسي أن تجهد قبل أن يبلغ بي الملل مداه، أنتقل إلى الرسم، ومن الرسم أنتقل إلى الكتابة، قصصا أو مسرحا، أو ربما قصيدة، تضاف إلى هذا ممارسات أخرى كتجليد الكتب، فأنا مجلد كتب جيّد، لكن لا أجلد إلا مؤلفاتي، على كل حال، أنا مجموع هذه الأشياء، لأن الواحدة تغذي الأخرى”
هذا الجواب أعادني إلى لقائي الأخير به حينما نظمت السفارة العراقية بباريس بالتعاون مع معهد العالم العربي أمسية تكريمية له ، شارك فيها مجموعة من النقاد والكتاب والروائيين والإعلاميين والفنانين والكتاب العرب، حيث ألقى وزير الثقافة الفرنسي السابق، ورئيس معهد العالم العربي كلمة حول أعمال الصكار وكبرياء الرجل، الذي يوصف من بين كبار المبدعين،كماأبدى إعجابه لعدد الحضور في وقت مبكر من بعد ظهر السبت الماضي، رغم أن الباريسيين يفضلون الهرب من الأماكن المغلقة في نهار العطلة واستغلال الشمس التي نادرا ما تشرق في مثل هذا الموسم.
أما السفير العراقي فرأى في الصكار مدرسة غنية بالمعارف ، لأنه برع في ميادين كثيرة، وبالتالي لا نستطيع حصره في الخط أو الشعر، بل أبدع أيضا في مجالات أخرى..
أما د. واسيني الأعرج فقد تقدم بكلمة تحدث فيها عن الميادين التي أبدع فيها الأستاذ الصكار، فإلي جانب الخط الذي أحدث فيه تطورات كبيرة بترقيته إلى مجال الكتاب في ميدان التطبيقات المعلوماتية، التي مكنت الحاسوب من تصميم النصوص العربية، فهو شاعر وكاتب وإعلامي، وتمنى واسيني أن تهتم دار نشر عربية بنشر ذكرياته المخطوطة المتكونة من سبعة أجزاء، لأنها تناولت فترات مهمة من حياة الأمة العربية في المجالات الثقافية والإبداعية المختلفة، خاصة في مسار الخط، إذ تعتبر بمثابة مرجع حقيقي.
أما الدكتور والناقد كاظم جهاد، فتطرق إلى موسوعية الرجل كونه أبدع في مجال الشعر والقصة والخاطرة، إلى جانب الخط الذي مكنه من نيل جوائز عربية وعالمية على قدر كبير من الأهمية.
بينما تحدث الناقد والروائي المغربي محمد برادة عن لقائه مع محمد سعيد الصكار في باريس، وعن اهتمام هذا الأخير بالحداثة مبكرا، قولا وعملا، مما أهله لابتكار خطوط عربية للحاسوب.
فيما تطرق الأستاذ فاروق مراد بيك إلى دقة معلومات الرجل، لأنه عاصر أجيالا كثيرة من المثقفين العراقيين أمثال الجواهري ( وهو الذي أطلق عليه اسم أبو الفرات)، وبدر شاكر السياب، وبلند الحيدري، ومظفر النواب، وغيرهم من هؤلاء العمالقة ، أما بعد انتقاله إلى باريس مجبرا أخاك لا بطل، والتي فتحت له أبواب التعرف على مثقفين غربيين وعرب كبار مثل محمود درويش، والدكتور محمد أركون، والدكتور محمد عابد الجابري، والمبدع يوسف إدريس، وغيرهم كثير.
أما الروائية إنعام كجة جي، فقد تحدثت عن النظرة الاستكشافية للصكار، وعلى تواضعه، مما سمح له بأن يمثل العراق بشكل لافت، لأنه يسأل عن الجميع، ولا يكن حقدا لأحد.
اتفق كل المتدخلين على أن محمد سعيد الصكار أبدع في مجالات كثيرة، كما صاحب هذه التدخلات قراءة لمجموعة من قصائده من قبل ممثلة وممثل باللغتين العربية والفرنسية في جو متناسق، الترجمة التي تمت قراءتها من قبل الشاعر العراقي عدنان محسن.
انتهت الأمسية بعرض فيلم حول مسيرة الصكار كان قد عرض في القناة الفرنسية الخامسة سنة 1999، والتي تطرق فيها إلى حياة الصكار واهتمامه بالخط وانتقاله إلى باريس سنة 1978.
ثم أنهى الأمسية الفنان العراقي الكبير الأستاذ ناصر الشمة الذي كاد ان “يُنطّق” العود في جو من التآلف مع الجمهور الحاشد الذي كان حاضرا بقوة تسبقه مجموعة من الوجوه الثقافية المعروفة، مثل الشاعر اللبناني الكبير صالح ستيتية، والخطاط العراقي المسعودي، والمحقق والكاتب العراقي المعروف جميل العطية.
واليوم بعد رحيله عن عالمنا أضم صوتي لكل من تمنوا أن تنشر ذكرياته قريبا في دار نشر عربية في مغرب العالم العربي أو مشرقه.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC