ربما يتساءل البعض ، لماذا وقع اختيارنا على هذا الموضوع لبحثه وإثارة الأسئلة حول الرواية المكتوبة بقلم نسائي في الشرق الأوسط ؟ ولا نستطيع أن ننكر في هذا السياق الثقافي نظرية المؤامرة التي تحيكها بعض دوائر الاستشراق الغربية وتكيد للعروبة والإسلام من منظور عدائي وعنصري وشوفيني ولإعطاء فاعلية أكثر لهذا الخطاب السياسي السلبي حول الإسلام، تم تجنيد العديد من النساء للعب دور الثائر على التقاليد في مجال حقوق المرأة من بينهن الفرنسية ذات الأصل الإيراني شهدورت جافان، والهولندية ذات الأصل الصومالي أيان هرسي علي النائبة في البرلمان الهولندي ومساعدة السينمائي تيو فان غوغ الذي اغتاله متطرف إسلامي في أمستردام، وهي تعلن صراحة أن نضالها يتمحور حول تحرير المرأة من الإسلام على الطريقة الغربية .
وللأسف انساقت روائيات شابات في الشرق الأوسط وراء هذا السراب تحت راية ( تحرير المرأة ) وهن يجهلن أن حركة التحرر النسوي في السياق الغربي لم تطرح على نفسها يوما فكرة التخلص من الدين، لأنها كانت واعية بأن المشكل يكمن في التوظيف الاجتماعي للمسيحية وليس في الدين في حد ذاته.
**روائيات مسترجلات**
وفي هذا السياق ترى (لوس ايغاري) أن الأسلوب النسائي يعرف من خلال (ارتباطه الحميم بالتدفق واللمس)، و تربط ( لغة المرأة بالجسد الأنثوي واللذة الجسدية).وفي العام 2008 ألقى الناقد المغربي سعيد بنكراد في (ملتقى الرواية العربية) في سوريا بحثا تحت عنوان (السرد النسائي او الفحولة المسترجلة) ورأى أن الرواية النسائية العربية “ليس فيها إلا الجسد والهروب من المواجهة قدم بنكراد قراءة نقدية (حول الغالبية العظمى من الكتابات النسائية في الرواية) ، وقال سعيد بنكراد إن (الروايات العربية بأقلام نسائية ليس فيها إلا الجسد والإغراء)، معتبرا أن “المرأة تضع رغبتها في الكلمات قبل جسدها نفسه و(رواياتها) لا ينقصها إلا أبطال ليلعبوا أدوارا دقيقة“ ، وميز سعيد بنكراد بين الروايات (الذكورية) و(النسائية)، ورأى أن الروايات ( الذكورية) يكون فيها السرد عفويا ويستند إلى ذاكرة في كل اتجاه ( بينما الغالبية العظمى من الروايات النسوية العربية “تعتمد على الوصف وتفتقد السرد) وقال إن (الوصف هو للهروب من المواجهة) مغلبا السرد (الذكوري) عليه.
**الترويج للجسد ومبدأ اللذة**
بقراءة الفيض المتدفق من الروايات العربية التي لفظتها المطابع في منطقة الشرق الأوسط ومعها تمَّ الترويج لمقولة ( هذا زمن الرواية ) ووفقا لدراسات إحصائية نجد أن 98.7 من الروايات المكتوبة بأقلام نسائية تشتغل على ترويج وتسويق مبدأ اللذة تحت عناوين مخادعة ومصطلحات غربية مستوردة كان من أهمها ( كسر التابوهات / المحرمات : الدين والجنس والسياسة ) ، ( كشف المستور) ، و(فضح المسكوت عنه )
وقد حذر “رامان سلدان” من ظاهرة التغني المبالغ فيه بالجسد، وذهب إلى أن بعض الكاتبات الراديكاليات تغنين بالسمات البيولوجية عند المرأة بوصفها مصدرا للإحساس بالتفوق، وليس النقص، وكل تناول متطرف للطبيعة الخاصة بالنساء معرض لخطر أن يحتل، وعلى نحو مغاير، الموقع نفسه الذي يحتله المتعصبون الذكور” على أن هذه الاحتجاجات وغيرها لم توقف أمر الاحتفاء الصريح بتكوين الجسد الأنثوي وجمالياته الخارجية، فالناقدة “هيلين سيكسوس ” تعلن ضرورة أن تنصرف الكتابة النسائية إلى الجسد، بل والاقتصار عليه، وتدعو النساء إلى وضع أجسادهن في كتابتهن.
**شهادة جريئة وواقعية جدًا**
تقول القاصة السعودية هديل الخصيف (لن أكتب نصاً طويلاً، أمطط الأحداث فيه، وأخترع ما لا يمكن أن يكون منطقياً، أو متناسقاً. كما أن روايتي لن تشتهر؛ إن لم أتناول التابوهات بطريقة مستفزة، تفتح شهية الناشرين العرب، الذين تتضخم أرصدتهم على حسابنا ككتّاب ، دون أن نحصل على أجر جهدنا، ولا حتى فتات الأجر.. وهذا (الرخص) لا أرغب بارتكابه، وهذا (الاستغلال) لا أريد أن أقع تحته! الرواية اليوم تجلب الخزي في أكثر حالاتها، لذا يقنعني حتى الآن أن أنشر نصوصي القصيرة في موقعي الإلكتروني، على أن يُدرج اسمي في قائمة الروائيين! ولأن الموضة الروائية انفجرت مرة واحدة، خرجت بلا مقدمات، وبلا تهيؤ مسبق، كالقيء تماماً..فضلاً عن أن معظم الروايات ظهرت وكأن كتّابها يحاولون التخلص مما يضايقهم، دون أن يجرؤوا على فعل ذلك بطريقة عملية، وآخرون تكاثرت لديهم الأفكار فقرروا أن يدمجوها في نص واحد (طويل) فكان القيء أسرع الطرق.. وأسهلها!
**وشهد شاهد من أهلها**
تتساءل الناقدة السعودية شمس المؤيد: هل المرأة التي نعرفها تشبه المرأة في الرواية؟ إن (المرأة في الرواية العربية بوجه عام، تأتِي في شكل ثانوي، رفيقة حياة، حبيبة، صورة للغدر والخداع، وغالباً ما يكون جسدها هو محور الرواية)، وترى شمس المؤيد أن (الكاتبة وحدها قادرة على زعزعة هذه الصورة).و أكدت شمس المؤيد أن إخفاق الروائية في رسم الصورة الحقيقية للمرأة في مجتمعنا بقضاياها يعود إلى صغر سن الكاتبات وضآلة تجاربهن، ولكن ماهو أدهى من ذلك هو جهل المرأة الكاتبة بشكل عام بأهمية دورها، وبقيمة الخطاب الروائي نفسه،حيث هو بالنسبة لهن فعل تنفيس، لافعل وجود،وإثبات قيمة، وتحريك جامد.
ورأت الناقدةشمس المؤيد بأن المرأة تحضر في الروايات النسائية على عدة مستويات: المرأة العادية ظهرت بشكل باهت أو مشوه. أما المرأة المثقفة فقليلا ما تحضر وإن حضرت فبشكل مأزوم ومتوتر؛ امرأة مختلة التوازن في مجتمع قاسِ تحاول إثبات ذاتها بإعلان الثورة والتمرد على السلطة الذكورية، وتصارع لنيل حقوقها .
إذن فإن بداية الكتابة النسائية هي بداية استحياء المرأة لجسدها والإفراج عن أحاسيسه المخبوءة، واكتشاف لغته المغايرة للغة الاسقاطات والاستيهامات التي كفّن بها الرجل حيوية المرأة وتلقائيتها وفقا لتعبير محمد برادة وإنه من الخطأ اختزال المرأة إلى جسد فقط، والانصيار إلى تسويق أيديولوجيا خاصة بتوصيف الجسد من خلال عزله عن الشبكة المتداخلة من الخلفيات التاريخية والتطلعات والمنظورات والقيم النفسية والشعورية والعقلية المتصلة بالمرأة وعالمها
**النقاد في قفص الاتهام**
وتشير الناقدة السعودية شمس المؤيد، بأصابع الاتهام إلى النقاد وقيامهم بـ«الإسهام في ضحالة الرواية المحلية، من خلال الثناء على روايات هزيلة». وأوضحت في محاضرة ألقتهافي نادي الدمام الأدبي، أن (بعض الكاتبات يجدن نقاداً مستعدين للكتابة عنهن، حتى قبل أن يبدأن في الكتابة)، مضيفة أن (بعض كتّاب الرواية المحلية من الجنسين، يكتب رواية قبل أن يقرأ روايات جيدة تمنحه فرصة التعلم، أو يفتقر إلى التجربة الحياتية الناضجة)، مؤكدة (إخفاق الروائية السعودية في تصوير المرأة النمطية منها والمثقفة على السواء في روايتها، فجسدت العادية في شكل باهت، والمثقفة في شكل مأزوم)، مرجعة ذلك إلى (استخدام الروائية الكتابة لإظهار ذاتها، أو لصغر سنها، وضآلة تجاربها).
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC