قراءة في المشهد النقدي العربي.
الدكتور محمد الشحات – مصر
المشهد النقدي العربي لا يستطيع أي باحث أو ناقد أن يُلم بخارطة النقد العربي لأنه مشهد متعدد ومتنوع, لكن يمكن أن نقول أن المشهد النقدي العربي والمشهد الفكري بصفة عامة باعتبار النقد ضرب من ضروب الفكر يمر بتحولات جذرية خصوصًا بعد تحولات الربيع العربي, فأنا في أحد كتبي مثلا كتابي الأخير في عام 2012 بعنوان (سرديات بديلة) كُنت أراهن على أن ثمة تحولا جذريًا سوف يؤثر في مفهوم الأدب بشكل عام وهو أن ثم سردية عربية مختلفة بمعنى إذا كان الأدب العربي في فترته الخمسينيات والستينيات قد أنتج مقولة السرديات الكبرى بمعنى الاحتفاء بالقومية العربية بعض المقولات كانت محلية على سبيل: بترول العرب للعرب, السد العالي. كل هذه الشعارات التي سماها بندكت أندرسن في كتابه الجماعات المتخيلة, كل هذه الشعارات استطاعت أن تخلق وعاءً وسقفا ثقافيا عريضا أنتج تحته عدد من الكُتاب والشعراء والمثقفين وكُتاب العامية وكُتاب المسرح الذين كانوا يحلمون بحُلم القومية العربية التي تجمع كل هذه الشعوب.
بعد موجات الانكسار ما بعد الستينيات ثم عصر الانفتاح وذوبان هذه المقولات الكبرى أصبح المبدع العربي يبحث عن هموم فردية, مثلا في الأدب المصري في التسعينيات ابتدأت بعض المقولات على سبيل المثال كتابة المرأة والجنس, كتابة الجسد. وتأثرت بها دول كثيرة حتى في الخليج العربي, لكن بما يعني أن الاتجاه في الكتابة الإبداعية بدأ ينحو منحًا فرديًا نحو قضية الانسان الفرد كل هذا كان مواكب لتحولات الرأسمالية التي تؤرخ وتكرس للفرد باعتباره هو مركز العالم على عكس التصور الاشتراكي الذي كان يعتبر أن الجماعة هي مركز العالم.
السردية العربية تعني أننا بالفعل كعرب وكشعوب عربية قبل أن نكون كُتابًا ومبدعين في حاجة إلى مقولات تجمعنا من جديد لا تُفرقنا, هذه المقولات في تصوري لم تعد تؤمن بعبادة الفرد كما كان من قبل, بل نحتاج إلى أفكار أكثر إنسانية وأكثر رحابة, أتصور أن هذه الأفكار سوف تنتج وسوف تبدأ في الكشف عن نفسها في السنوات المقبلة.
هذا على مستوى الإبداع, أما على مستوى النقد يظل النقد العربي متأخرًا بخطوات عن الإبداع العربي, على سبيل المثال نجد بعض الكُتاب العرب الذين فازوا بجائزة نوبل في الأدب فقط مثل نجيب محفوظ ثم أسماء أخرى ترشح وتُنافس بقوة على هذه الجائزة, لكن لا تجد ناقدًا يُنافس على جائزة نوبل. الحضور النقدي لأن مركبة النقد أصعب وإن كان البعض يتشدق ويقول: أليس ادوارد سعيد عربيًا؟ حتى وإن كان عربي المنشأ لكنه في النهاية تكوين المجتمع الثقافي والمجتمع الأمريكي. وأيضا إيهاب حسن أليس مصريًا؟ كان مصريًا لكنه أيضا تم تكوينه وتشكيله ضمن سياق ثقافي غربي آخر. ما أريد قوله أن المؤسسة النقدية العربية لا تنفصل عن مؤسسة الحرية, طالما أن مجتمعاتنا تفتقر إلى الحريات بمعناها الحقيقي والفاعل سنظل في خطابنا النقدي نفتقر إلى نُقاد حقيقيين ومؤثرين, وسيظل الأمر رهين أفراد هُنا أو هناك لكن أن نقول أننا نمتلك مؤسسة نقدية عربية تستطيع أن تواكب هذا الزخم من الإبداع العربي أمر صعب ولو قِسْنا على ذلك عُمان ومصر والعراق وسوريا ولبنان سنجد المقولة إلى حد كبير صحيحة.
_____________________________