في محاضرة على هامش فعاليات معرض مسقط للكتاب 2011 قلتُ إننا في العالم العربي لا نعاني من أزمة (إبداع) ولكننا غائصون إلى رؤسنا في أزمة (نقد) وإن تشخيص الحالة الصحية المزمنة للوضع أن الإشكالية الأولى صاحبتها عدة مضاعفات كان من أشدها عصفا بالمشهد الإبداعي ظهور ما يسمى بأزمة المصطلح من شاكلة (الأدب النسوي) و(أدب الشباب) وغيرها ومن هذا المنطلق سنستدعي العديد من الأصوات الإبداعي والنقدية لمناقشة قضية (صورة النساء في الأدب أفضل بقلم الرجل أم المرأة؟
**مفهوم الإبداع**
مازال كثيرون في عالمنا العربي وانطلاقا من أزمة (المصطلحات) التي يعاني منها مجتمعنا والتي أصبحت الكثير من المقولات سائلة وفي حالة مائعة، ورخوة بل إن بعض المصطلحات تحمل شحنات من التمييز العنصري والفوقية، ومناقضة للواقع ولكن رؤيتنا هذه تجد مناقضا لها على الضفة الأخرى من نهر الخلاف العلمي فهذا (ونيسي بشير) نجح في القبض على بعض مفاهيم(الإبداع)، ولكنه فشل في أن ينحت رؤية محددة، وصار أسيرا لجدلية التفسير وتعدد الرؤى فهو يرى في (الإبداع) حرية تريد التموقع في الوجود، وتجعل الكائن متحدا في الممكن المدهش الجميل، و(الإبداع) حلم يستشرف الغامض، ويجسده زمكانيا، و(الإبداع) توهج الذات باللحظة الومضة التي يفيض منها الوحي، والالهام و(الإبداع) إرادة الروح الانساني في التطهر، والوضاءة، والبراءة، والعبور، و(الإبداع) رغبة النفس في غواية الحور الروح الريحان رغبة في الخلق، والخرق، والتجاوز، و(الإبداع) قراءة جديدة للعالم بالاختلاف، والائتلاف، و(الإبداع) تمرد، ورفض وردَّة شبقها الهدم والبناء. إلا أنني يجب أن أقرر في النهاية ومن حق القارئ أن يختلف معي فأنا أرى أن (الإبداع) ظاهرة إنسانية لا علاقة لها بالنوع وبناء عليه تسقط جميع الإثنيات والطائفيات، والتقسيمات العنصرية التي يرددها مدّعو النقد، والتمييز العنصري من نوع (الأدب النسوي)، و(الأدب الأنثوي)، و(أدب المرأة).
** فشل الأدب الأنثوي العربي**
تأكيدا على الفكرة السابقة فإننا هنا نستعين برؤية واقعية ومنطقية للكاتبة (فاطمة المرنيسي) حيث تقول: أنا أرى أن الأدب الذي تكتبه المرأة، مهما كان جريئا، إن لم يأخذ دوره في التغيير المجتمعي، والتركيبة الوجدانية الأخلاقية للمجتمع فإنه يكون أي شيء إلا أدب. وهذا الهذر الرومانسي الناعم، أو هذه العصبية اللغوية المستفزة التي تمتلئ بها الكتب ليس إلا دليلا آخر على فشل الأدب النسوي العربي.
إن القمع الطويل الأمد الذي تعرضت له المرأة عبر تاريخها لا يبرر تجاهلها لقطب الذكورة، وضرورة التكامل معه. فالنضال لا يكون ضده وإنما معه ومن خلاله؛ بمعنى توحيد (الجبهات) أمام تحديات الاقتصاد، والمجتمع، والخلفية الثقافية.
إن المرأة لا يجب أن تلجأ إلى القلم من أجل أن تسرد ما يحصل، فهذا أمر لا يغني ولايسمن. فالنضال الأدبي- القلمي يجب أن يربط بين قضايا المرأة وقضايا الرجل بحركة الصيرورة التاريخية، وتفاعل الإنسان مع حقائق الواقع المعاش، وتبدلها في الزمان، والمكان، وإلا فلا معنى لهذا النضال، ولا دور يحسب له.
**ليس هناك قصة نسوية**
كثير من النقاد حاولوا البحث عن سمات القصة النسوية وذلك تحت ضغط، وإلحاح داخلي، ومحاولة التأصيل لمصطلح النسوية، ولكن القراءة الفاحصة لما يكتبونه يمكن تلبيسه لأية قراءة ذكورية في أي بقعة جغرافية، وأسوق هنا أنموذجا للتدليل على مدى الفداحات التي يرتكبها النقاد – وأنا كنت منهم سابقا ولا أعفي نفسي في الوقوع قبل سنوات أسيرا لهذه الرغبة الجامحة في التأصيل (للإبداع النسوي) – يقول الناقد محمد العباس أثناء تفتيشه بين النصوص القصصية على (ثيمة) تؤكد هاجس إثبات الذات في القصة النسوية الكويتية وهي كثرة سرد القصص الكويتية بضمير السارد العليم، معتقدا أن في هذا النوع من تقنيات السرد، انتفاضةُ مقاومةٍ نسوية لحس التهميش والانتقاص من جهة، وتعزيز لرغبة الذات الأنثوية المتعاظمة للبروز كقوة فاعلة، ومتحكمة في السرد، لإبدال موقعها من خانة المفعول به إلى صدارة الفاعل، للبرهنة على وجود حياتي يوازي من حيث الرؤية، والفعل ما يتنصص داخل القصص.
وهذا (شوقي بدر يوسف) يوضح أن ثمة رؤية تتحقق وتتولد من خلال تقطير وتكثيف لغوى لحدث شبه مراوغ، وبنية نصية وامضة ومقتصدة إلى حد كبير تعتمد فيها الكاتبة على عالمها الخاص، وتجربتها الأنثوية حيال نفسها، وحيال الآخرين، خاصة علاقتها الأزلية بالآخر (الرجل)، وهى تعبر في خصوصية هذا الإبداع عن عالم مؤّول، ورامز، يحمل في طياته حضور المرأة، وطبيعة عالمهاالخاص، وتناغم مشاعرها ورؤيتها الأنثوية المتجددة لواقع الحياة ومسيرتها .
نجد أن القصة القصيرة جدا تنحو في بعض الأحيان نحو الشعرية في سياقها العام ولغتها المكونة لها وعناصرها المؤسسة لنسيجها الخاص، وهى قد تكون عند المرأة أكثر شاعرية منها في كتابات الرجل على الرغم من أن استخدام الشعرية في السياق العام لنص القصة القصيرة جدا عند المرأة إنما ينبع من طبيعتها الخاصة كأنثى، ومن خلال رؤيتها تجاه الواقع العام وعلاقتها الأزلية بالآخر.
**بين الرجل والمرأة**
وفي قراءة سابقة قلنا: إن بعض الكاتبات مسترجلات ويحاولن إغراء القارء الأوربي بالقفز على القيم العربية، وحتى الإسلامية فمعنى الأنوثة التي تحاول المرأة اليوم التملص منها باعتبارها السبب المباشر، والغير مباشر – برأيها – لتاريخها الطويل من القمع، والاستلاب. إنها تعتقد أن مجرد كونها امرأة كان سببا لقمعها متناسية أن الأنوثة – بالمعنى العميق للكلمة – ليست سوى هذه الطاقة الداخلية المتحركة من الداخل إلى الخارج، وليس العكس. إنها جزء من البنية التحتية للمجتمع باعتبارها العنصر الذي تبنى عليه السلامة النفسية للأسرة – خلية المجتمع الوحيدة، وكأنه تقرير مكرر لسجال تناحري بين الطرفين، فهو إما يشتم، ويظهر كل تهجم على الرجل، و إما ينتقد بشكل تذمري بعيد عن طرح أي حل.
ولكن على نحو تشريحي فقد نجحت (أميرة كشغري) في توصيف العلاقة بين الرجل والمرأة فعلى مر العصور، وتعاقب التاريخ شكلت العلاقة بين الرجل والمرأة مفصلاً وإشكالية كبرى في المجتمعات بشكل عام وفي مجتمعنا على وجه الخصوص.
إن هذه الإشكالية لها عدة وجوه وتمظهرات يتعلق أولها بكينونة المرأة داخل المجتمع وقدرتها على أن تكون جزءاً فاعلاً، ومؤثراً فيه بشكل كامل. ويتعلق ثانيها بصفات السيد والمسود عليه، أي علاقة التابع والمتبوع التي طالما كانت الوجه الأكثر وضوحاً في تلك العلاقة. أما الوجه الثالث لهذه الإشكالية فهو التعامل مع المرأة باعتبارها من ممتلكات الرجل الذي يمارس حق الوصاية المطلقة على المرأة داخل منظومة من العلاقات الأسرية، والاجتماعي، والاقتصادية. ونظراً لأن هذه العلاقة هي علاقة مأزومة في جوهرها فإنها تفرز بالضرورة الكثير من الاحتقان الذي يعيق حركة المجتمع بدرجة، أو بأخرى ويحدّ من فاعليته في منظومة الحركة العالمية التي تفترض الكثير من الفاعلي، والديناميكية في ظل التنافس العالمي القوي.
**أنسنة العلاقة بين النوعين**
إن المرأة مصنع من الأحلام! وهي حارثة مثالية لأوهامها الصامتة! ومتفوقة في علم حساب الذات، حتى ولو كانت أمية! فطرية تتعامل مع الدنيا حولها بإحساس بوصلي راداري تلقائي، لكنها متمكنة في الوقت نفسه من إحداث الثقوب، والتلصص على العالم من خلالها وفق تعبير(كلاديس مطر) لكن هذا لا ينفي أن العلاقة بين الرجل والمرأة تحتاج (أنسنة)، وهذا الارتقاء في النظرة، والمفهوم حتى وهو في طور التشكل يقود إلى ارتقاء مواز في العلاقة بين طرفي المجتمع يتمثل في تحول العلاقة (الحالية) ما بين رجل (إنسان) وجسد (شيء) إلى علاقة إنسانية بين رجل وامرأة أي بين إنسان وإنسان. وهذا ما أرمي إليه بمفهوم (أنسنة العلاقة).
إن مفهوم الأنسنة يتطلب فيما يتطلب تجاوز الفرد للمرحلة التي تعتبر الجسد محوراً وحيداً للعلاقة بين الرجل والمرأة. وعبر هذا الارتقاء ترتقي أيضاً مفاهيم مهمة في مجتمعنا مثل مفاهيم العفة والحشمة من وضعها الحالي المرتبط فقط بالمظهر الخارجي للفرد سواء كان هذا المظهر يتكون من جسد أو جسد محاط باللباس إلى مفهومه الحقيقي المرتبط بالأخلاق الفاضلة والسلوك السوي في القول والفعل وفي السر والعلن. أي إن هذا الارتقاء هو في حقيقته ارتقاء في مفاهيم الأخلاق في وعي المجتمع من حالتها المظهرية، والسطحية (والتي تقبل التزييف بسهولة) إلى حالة أكثر جوهرية، وعمقاً، وحقيقيةً تستعصي على التزييف والرياء، وتنتقل تبعاً لذلك اهتمامات المجتمع من وضعها الحالي المرتكز إلى المظهر الخارجي (الصورة النمطية) إلى اهتمام بالجوهر أو العمق.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC