مسقط-أثير
محمد حسن، شاعر سوري
إلى كل تلك الاحتمالات التي كان بمتناولي اختيار إحداها ولم أفعل، ولكل تلك الممكنات التي تطير عن شرفتي كما النوارس في فوضى لعبها بين البحر وتخيلاتي، إلى كل تلك الرحلات والصواعد والنوازل التي كان بمقدوري ارتيادها وقضيت ساعات في اختيار وجهة العطلة على الخريطة، المسافة، الصور، الصعوبة، ثم تصوري للمكان وشعوري به وقياس كل ذلك بالطريق والجهد والوحدة، كل هذا الإسراف في التفكير يجعلني أختار شرفة منزلي كمصير نهائي ليوم عطلتي، ألامس منها خطّ الأفق بين السماء والبحر وتلهو عيني كما النوارس بين شجرة خضراء وسطح أبيض، لكننا نفترق حيث تستقر النوارس على الأسطح العالية في حين تحبُّ عيني أن تستقر على غصن أخضر تهزه الريح، ولا يقطع هذه الرؤى إلا طائر كبير يفرد جناحيه ليستقر في مطار مسقط الدولي الذي لا يهدأ بزواره وعابريه.
تتضاءل النوارس أمام طائرنا الكبير حيث لا يمكنها مجاراته في علو طيرانه وسرعته فتنكفئ إلى شاطئ البحر أمّا أنا فأتبعه بعيني حتى يغيب وأتساءل أيُّ طائرة؟ لأي بلد ومن أي وجهةٍ أتت؟ ثم بمعرفتي بمطار مسقط مسبقًا أتخيّل الركاب وهم ينزلون من درج طائرتهم ويسيرون على الممشى الكهربائي ليختموا جوازاتهم ثم يستملوا حقائبهم، وفي البهو يكون الأصدقاء والمحبون بانتظارهم، عناقٌ ولهفة تبدد تعب السفر، أنتشي بكل هذه الهواجس، لا يخرجني منها إلا نورس يحلق أمامي مقتربا مني هو ورفاقه كأنما يهزأ بي وقد قرأ هواجسي واستهزائي بضعفه، فيجيب لكنني أطير ولدّي رفقة.
نعم لقد أجاد قراءة مكامن ضعفي فهو يعيش بجناحيه وأنا بخيالي، أنا بوحدتي وهو برفاقه، فكيف نستوي!
عُذرًا عُمان !
كيف لقلبٍ مسكون بكل هذا القلق أن يكسر أغلاله فيطير بين وديانك وجبالك ويستريح على شواطئك، وكيف لمقيمٍ لسنتين فقط أن يتمكن من فكّ شيفرة تاريخك وتراثك، وأنتِ ابنة الحضارة والأصالة والعلو وما زادتك الرفعة إلا رفقا ومحبة، كنتِ قديما وستبقين دائما.
فهنيئا للذي سار بين أفلاجك وسكن قلاعك ووقف مُعتزا كشجر لبانك في وجه الشمس،
وهنيئا للذي طار مع نوارسك على اتساع شواطئك الممتدة وأبحر مع سفنك التي صنعت مجدا وعُمقا حضاريا من إفريقيا حتى نيويورك!