برزة بيت الفوق في حصن العوابي التاريخي
رافقت في الجمعة الماضية صديقي الشاعر عبد الرزاق الربيعي والإعلامي موسى الفرعي إلى ولاية العوافي لدعوتهما لأمسية من قبل فريق العوابي الرياضي الثقافي، لم تكن المرة الأولى التي أحظى برفقتهما إلى أماسيهما فرادى أو مجتمعين، لكنني أستطيع الجزم أنها الأمسية الأولى التي لم تتشابه مع ما سبق من حيث التنظيم والمكان الذي أقيمت فيه الأمسية.
ففي ذاكرتي ما زالت تحضر فعاليات مهرجان الشعر العماني الأول في وسط قلعة نزوى التي سطرت آيات من الجمال زهت بالشعر كما يليق به وكما هو مقام نزوى في شهبائها التي تعلو ولا يعلا عليها، ومع تكرار التجربة في مهرجان الشعر العماني أيضا في نسخته السادسة بالبريمي، إلا أن التجربتين كانتا بطابع رسمي التنظيم لم نحظ به لولا المهرجان ذاته.
في العوابي ومن ذا يجهل العوابي في ذاكرتنا التاريخية، كنت متشوقا للأمسية في حصنها العتيق ليس للاستماع إلى تجربتي أصدقائي، فهما محفوظان عن ظهر قلب، بل للمكانة التاريخية التي سوف تتحضن الحدث، فللحصن قصته التاريخية العظيمة التي لا يسعها هذا المقال لسردها منذ إنشائه والدور الذي قام به في حفظ الأمان وتحصين الكتلة الداخلية وتأمين ربطها بمسقط والباطنة.
ولكن إعجابي بهمة أولئك الشباب في ربط مناشطهم الثقافية والاجتماعية بالحصن واستبدال دور الحصن التاريخي بدور جديد حيوي واستثمار موجوداته بما يتفق ومعطيات العصر الذي يعيشونه، لم يكتفوا بدوره في تنمية السياحة الداخلية والسياحة بشكل عام، بل وظفوها بما يحققها في مناشط ثقافية واجتماعية تجعل من الآخر يقف احتراما لهمتهم وهدفهم في تعريف النشء الجديد بهذا الإرث الحضاري في منطقتهم.
بدأت الأمسية في برزة الفوق ونحن نقلب الطرف في أركان الحصن نستنطقه عظمة الأجداد الذين مروا عليه، ونستلهم من هيبتهم ما تبقى لنا في هيبة هذه التحفة المعمارية، وفي الذهن حكايات الكفاح والتضحية وفي الذهن رغبة عارمة في استعادة ذلك المجد من خلال المحافظة على ذلك المنجز باستثماره دافعا للانطلاقة بالمنجز الجديد على أيادي شباب الوطن الذي لا شك أن أرضه ولادة بالخير الوفير.
كانت تدور بمخيلتي كثيرا من المواقع المشابهة المنتشرة على أرض هذا الوطن وأمني النفس أن تستثمر بمثل هذا الاستثمار الثقافي الاجتماعي الذي سوف يختصر الطريق كثيرا للتعريف بماضي الأجداد ولشحذ الهمم في العطاء والانطلاقة إلى بناء الذوات من عمق التاريخ المليء بالمحفزات، وإلى ترسيخ الهوية وتمكين النشء وتحصينه من الشتات الداخلي وتحقيق السلام مع أنفسهم ومجتمعهم ويعزز قيم المحافظة على ذلك المنجز بمشاركتهم فيه بمثل هذه المناشط الاجتماعية.
شكري وتقديري للقائمين على تلك الأمسية في برزة الفوق بحصن العوابي ولدعوتهم الكريمة متمنيا لهم الاستمرار الدائم في استثمار حصنهم استثمارا يعزز من قيم الانتماء لهذه الأرض العمانية.