قراءة جديدة في مجموعة”عطش الماء”للكاتب سمير الشريف
مرمر القاسم – فلسطين
في بدايات كتابة القصة القصيرة واجه الكتّاب صعوبات طقوسية أخذت طريقها فيما بعد لتشكّل مسارًا أدبيًا أسس له أوائل الأدباء ومحترفو القصة والقصة القصيرة جدًا،وإن أغلب نماذج القصة في العالم دخلت كشعار من شعائر تمجيدها لمآثر الموروث الشعبي والحياتيّ واسقاطاته لخطايا بشريّة محتملة،ولكنها انفصلت بعد ذلك لتنحو منحى اجتماعيًا مغايرًا لذلك الطقس ونافذًا في صميم الحياة البشريّة بكل ما تنطوي عليه من تناقضات ومعاناة وإرهاصات إنسانية وسياسية نقديّة.
وكان الأدب فيما مضى دينيًا، حتّى أخذ قسطًا وفيرًا من حياتنا ومعاناة الشعوب،في المجموعة القصصية”عطش الماء” للكاتب سمير الشريف يقول في لوحته “احتجاج”
“بابور الكاز، يواصل أنينه تحت التنكه الفارغة مثقوبة الجدران.
الأب يُطرق واجما ، يمصمص بقايا سيجارة الهيشي.
ألأم ،تنحني على ملابس الصغار ، ترفوها.”
عندما يحرك الكاتب الشخوص مطالبة بحقها في الحياة يصبح الأدب شعبيًا،وهذا يظهر من خلال لوحات الأديب سمير الشريف،الذي قام بدور الشعب،ونظرًا لوجود صور قوية بين النّصوص الأدبيّة من جهة وبين أداء الشخوص من جهة أخرى فإن الأسلوبيّة الّتي انتهجها الكاتب أعطت انطباعًا أننا على موعد مع شكل أدبيّ ومضمون إنسانيّ وهذا يعني أن الأدب العربي الفلسطيني لم يتأخر بل هو في المقدّمة.
وإن وجدنا اختلفًا في تناول القضايا وتنوّع مضمون قالب القصة،إلا أننا نجد لها نقاط التقاء متعددة في بحث الكاتب عن مغايرة جديدة متفردة ومتميزة، وهو ما يفرز ثراءً وتنوعًا في سعي حثيث نحو إقرار هوية القصة والتعرض للمعاناة المجتمعيّة وإبرازها في جنس أدبيّ قادم بقوة للمشهد الثقافي،وأراه أكثر قدرة على ضخ دماء جديدة للمشهد الشعبي الثقافي، لا يزال البعض فيه يرفض مجرد الإنصات لنبضها الصادق، وتناولها المغاير، وهنالك من قلّل من قدرتها على التعايش والاستمرار، فأقرّوا بموتها، معلنين عن موت الحكي.
هناك تقصير فعليّ في النّقد،و تقصير طبيعي جدًا لأن العملية طردية متى ما كثر القرّاء انتعشت الكتابة و ارتفع و تنوع مستوى النّقد،لذلك ولأسباب عديدة أخرى ربما أعطيت القصة القصيرة حكمًا غير عادل لأن قراءتها قراءة سريعة و مختصرة غير مستعينين بالمخزون الثقافي لنا وللكاتب.
كما وظف الكاتب في قوالب هذه المجموعة تقنيات أجناس أدبيّة أخرى كالسرد والمسرح والأشكال التعبيريّة مما منحها شكلًا أشهى للقراءة وعالمًا متفرّدًا،فلو أعيدت قراءة أيّ قصة مرة أخرى مستعينين بالمخزون الثقافي سوف نكتشف اشياء كثيرة لم نعثر عليها في قراءتنا الأولى،فكلّ قصة ليست لوحة عادية،هي قصة تملك مخيّلة رحبة سردت قصة مأساوية أو سعيدة،حالة يتحاشى الكاتب التّفرد بها،فالكتابة ردّة فعل مطالبة ولغة تواصل مع الآخر واشراكه فيما يدور في أخيلتنا كي لا نكون وحيدين مع مكتبة الحكايات في رؤوسنا،لتجنب الوحدة والكآبة اللتين تلازمان الكاتب المتعب من ضجيج الصور في رأسه حتّى يتعافى.