دوما كنت أتساءل ما سر تقدم الغرب رغم مجونهم في العلم
والتكنولوجيا ومختلف مجالات الحياة ، وكانت الإجابة دوما حاضرة ونحن أطفالاً لدى
وعاظ الموت وفقهاء الدين بأن الكفرة لهم نعيم الدنيا ونحن لنا نعيم الآخرة
بهذه السهولة تغلغل في قلوبنا مبدأ الاتكالية وتبرير
التخلف الذي يساير هذه الأمة بجميع تفاصيلها على هذا المبدأ هم لهم الدنيا ونحن لنا
الآخرة وجنات النعيم
أغرقوا كل طموحاتنا بتزمتهم وكآبة نظرتهم للحياة التي
اورثونا إياها فكل وعظهم وحديثهم يخلوا تماما من تلك الرحمة الربانية الجميلة على
عباده ، كل حديثهم عن الموت والأقرع وعذاب القبر وظلمته وأن الموت شبح يطاردك بجميع
آلامه التي تساوي اكثر من مئة ضربة سيف..
لم يتركوا لرحمة الله أي سطر في حديثهم فكل أحاديثهم عن العذاب وشبح الموت الذي
يطارد كل إنسان !! وعاظ الموت لم يتركوا للمتفائل والطموح أي مجال للتفكير والانطلاق للحياة والنظر لها
بمنظور الحكمة الربانية وتلك الرحمة التي كتبها الله على نفسه حينما يقول بسورة
الفاتحة الحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم .. ، نعم هو رحمن رحيم ورحمته وسعة
كل شيء ، فسبحانه وتعالى لم يخلق عباده فقط لتعذيبنا
ألتقيت بأحد الأخوة السعوديين في معرض البحرين للكتاب
واسمه علي ، شاب في العشرينات من العمر يحدثني قائل أتعلم يا أخي باننا نحن جيل
الشباب بالسعودية اصبح الكثير منا ملحد ولا يقرب الصلاة ولا يعترف بهذا الدين ورب
هذا الدين هرباً من عذابه وجحيمه الذي سوقه لنا وعاظ الموت والجحيم
نعم هي إشكالية تعم الأمة الإسلامية وليست هناك أي بيئة
معصومة من ذلك ، فنرى أن الدعوة لله بنيت في قلوبنا ترهيباً وليس حباً في الله ،
سيقول قائل أن العذاب قد ذكر في القرآن ويجب ان يوازن الإنسان بين الترهيب
والترغيب ، ولكن الإجابة لدي ولدى الكثير في متناول الذهن ، أبعدوا عنا المتزمتين
وسنكون بألف خير ، التوازن مبدأه أن لا تبني دين الله في قلوب أجيالنا بالخوف
والترهيب الذي يبتعد كلياً عن تلك الرحمة الإلهية التي شملت كل شيء ، حدثونا عن
الأمل برحمة الله ، حدثونا عن رحمة الله ، أجعلوا عقولنا تنطلق أجعلوا ابتساماتنا تملئ
الكون حباً وبناءً وعلماً واكتشافاً ،وجدت في البعض تزمت لدرجة أن ابتسم الواحد
فينا تجد له من يرجم ابتسامته بفتوى أن الابتسامة
جزء من الضحك الذي يميت القلوب
أولم يعلموا بأن الابتسامة في وجه الإنسان هي صدقة كتبها الله لعباده بإمكانها أن
تدخل الفرد جنة عرضها السموات والأرض
أعتقد بأن من لا يفكر بالموت وعذابه وكأن الله لعباده
غير رحيم مثلما يسوق له هؤلاء المتزمتون , هم أكثر الناس إبداعاً وانطلاقاً وحباً
للعلم والحياة ولكل البشر وبناءً للمجتمع
أنظروا حولكم أنظروا إلى من يخدم المجتمع لدينا على سبيل
المثال بكل إنسانية ، هم جيل من الفرح والتفائل هم جيل شباب من أصبحوا مضرب مثال
للإنسانية لكل هؤلاء المتزمتون ، لم أجد في الكثير من الأعمال التطوعية وعاظ الموت
متواجدون ، ولم أجد أصحاب الفتوى إلا القليل والقليل منهم بعدد الأصابع متواجدون ،
من وجدتهم هم شباب ينظر إليهم هؤلاء بأنهم جيل لا يستحق الجنة التي أورثوها
لأنفسهم وأتباعهم !! من وجدتهم بأغلب الأعمال التطوعية شباب وشابات لا ينظرون
للموت كشبح يطاردهم بعذابه ، بل ينظرون لله بأنه الرحمن الرحيم بعباده، وبأن
أعمالهم هذه ما هي إلا أجر يمسحون بها هموم حياتهم وما يعتريها من بعض الأخطاء في
لحظات ضعف قلوبهم
وعاظ الموت والكآبة هذا هو واقعهم وهذا هو حالهم فنظرتهم
للحياة قاصرة كأيبة وتكاد نظرة بعضهم جاحدة ناكرة لرحمة الله التي ملئت الكون
نوراً وجمالا، تناسوا تماماً بأن جيل شباب هذه الأمة ورغم كل الفتن لا يحتاج اليوم
إلا إلى الأمل وتثبيت تلك العلاقة المقدسة بين العبد وربه بالمحبة والإيمان التام
برحمته ورجاء جنته بعمل الصالحات التي تخدم المجتمع والبشرية واجتناب قدر الإمكان كل ما يضر بالنفس وأفراد هذا المجتمع ، ديننا
الجميل معادلته جداً سهلة وليست معقدة كما يصورها بعض وعاظ الموت ، بل هو دين جميل
أساسه واساس فردوس جنته الأبدية قائمة على خدمة الإنسانية بالدرجة الأولى ، كفالة
يتيم ،عتق رقبة، صدقة، حفظ اعراض البشر، وحفظ دمائهم، وحفظ النفس من الأذى ،مساعدة
الفقراء، البعد عن الغش والكذب، وتلك النميمة الحمقاء المدمرة لروح البشر ، وكلمات
بسيطة في حب الله تزن بميزان الآخرة آلاف الحسنات ،وصلوات خمس تناجي فيها بكل حب
رب البشر، هذا هو الدين الذي جعله الله لأمة محمد دين جميل مليء بالرحمة الإلهية التي تجعل كل
البشر سعداء غير مهمومين وألا بذكر الله تطمئن القلوب ، وما وجدته بالمتزمتين عكس
كل ذلك رغم اصطفافهم في مرتبة أهل الدعوة والتقوى ، إلا أنني لا أجدهم إلا بوجوه عابسة
مشمئزة غير مطمئنة ولا لرحمة الله متفائلة ، اقولها وحرقة تعتصر الفؤاد في كل حين
اضعتم الدين بتزمتكم وجردتموه من رحمة الله فأصبحتم وعاظ للموت وعذابه فقط وكأنكم
سيافي الرقاب منفذي أحكام الإعدام!! ورسالة أخيرة اسطرها لكل أرباب الفقه وعلمائه
ارجوكم لا تصدروا لنا المزيد من هؤلاء وانتقوا خطبائكم وأئمة طلابكم وأجعلوا الدعوة
لله حب وليس ترهيباً فالمجتمع اليوم المحطم بالكثير من قيمه رغم أن جيله جل أفراده
من عائلات جليلة محافظة ،لا يحتاج اليوم إلا لمعرفة جمال هذا الدين وجمال رحمة
الله لعباده ،وتلك الأجور العظيمة السهلة التي يستطيع الإنسان من خلالها كسب الجنة ومحو ذنوب أسرف
فيها على نفسه.. فالله يمسح الذنوب برحمته ولو كانت مثل زبد البحر ، فمن رحمني
وأنا في بطن تلك الأم الغالية لن ينساني برحمته وأنا في تلك الأرض الفانية ، ولكم
في رحمة الله أخوتي أمل وتفاءل وانطلاق للحياة بعيداً عن تزمت أرهق أرواحنا وخلق
الكآبة وتلك النظرة المحدودة جداً لحياتنا , وابعد الكثير عن ديننا