ابنتي في مدرسة حكوميّة
عبدالرزّاق الربيعي
دقّ بعض أولياء الأمور الذين ينخرط أبناؤهم في مدارس حكوميّة ناقوس الخطر، ووصل مؤشّر القلق على مستقبل أولادهم إلى أقصاه!!ليس لشيء سوى إنّ نتائج إحصاءات التعليم العام الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، ذكرت إنّ إجمالي عدد الطلبة ،والطالبات الملتحقين في المدارس الحكومية قد سجّل انخفاضا في العام الدراسي
2011-2012 م لصالح المدارس الخاصة مقارنة بالعام الدراسي الذي سبقه!!
رأوا أنّ ذلك يعني تراجعًا في أداء المدارس الحكوميّة، وعليه ، فلا مفرّ لأبنائهم سوى لعقول “” .
ولا أريد هنا ،أن أجمّل وجه المدارس الحكوميّة ، مدّعيا
إنّها “ربيع” علمي دائم و”الجو” الدراسي بها “بديع”،
لكنّها من واقع تجربة شخصية مع المدارس الخاصّة ، وهنا لابدّ من الإشارة إنّني لا
أقصد المدارس الدوليّة، فلكلّ قاعدة استثناء، والتعميم قياس ظالم وخاطئ، استنادا
إلى قول ربنا عزَّ وجلّ في كتابه الكريم “ولا تبخسوا الناس أشياءهم”
وبالمعيار نفسه، أجد أن الكثيرين يتجنّون على المدارس الحكوميّة التي هي أيضا
تختلف في المستويات، فلا المدارس الحكوميّة كلّها جيّدة، ولا المدارس الخاصة يجد
فيها الباحث كلّ مايتمنّاه !!لكنّ المدارس الحكوميّة ،في أحيان كثيرة ، أفضل من
عشرات مدارس خاصّة ، بعضها ، يتّخذ من البيوت بنايات لها، دون مراعاة المواصفات
المطلوبة لبيئة دراسيّة مناسبة من حيث المساحة،والملاعب،والأنشطة،فمعظم مالكي تلك المدارس
يستأجرون بيوتا، ويحوّلونها إلى مدارس.
إنّ تزايد الإقبال على المدارس الخاصّة لا يعني yنّها بلغت مرحلة من التطوّر بحيث توفّر للطالب بيئة تعليميّة مثاليّة، أمّا
الإقبال عليها ، فذلك ليس لأنّها أفضل ، لكنّ المجتمعات الاستهلاكيّة غالبا
ماتكتسحها “موضات” تتحول، لاحقا، إلى ثقافة، فبعض أولياء الأمور يقعون
تحت إغواء المباهاة، حين يتحدّثون عن أولادهم الذين يتلقّون تعليمهم
في مدارس خاصة، ودوليّة، وبالمقابل يجد البعض حرجا اجتماعيّا حين يسألون عن
مدارس أولادهم، فيجيبون إنّهم في مدرسة حكوميّة!
فالخدمات التي تقدّم للتلاميذ ، ومنهم ابنتي التي تنتظم في واحدة من المدارس الحكوميّة
، بعد أن كانت في مدرسة خاصّة، أفضل بكثير من حيث توفّر الباصات الحديثة ، المنتظمة
في مواعيد نقل التلاميذ لمدارسهم ، وإرجاعهم للبيوت، وكذلك وجود المختبرات ،
ومراكز التعلّم المجهّزة بكلّ يحتاج إليه التلاميذ ، لتطوير مهاراتهم ، واصطحابهم في رحلات علميّة
ضمن جدول محدّد ، وبدون مقابل ،عكس المدارس الخاصّة ، التي تجد في هذه الرحلات
فرصا سانحة لزيادة دخلها ، من جيوب أولياء الأمور ، بذرائع شتّى ،منها ،”
بترول الباص ” وتقديم وجبة غذاء من مطعم تتفق إدارة المدرسة معه على تخفيض
خاص ، لتخرج بمبلغ تضعه في خزينة المدرسة
!! فمهما شرّقنا ، وغرّبنا، في الكلام، تبقى هذه المدارس ، في النهاية، مشاريع استثماريّة،لا تشغلها قضيّة تنمية المجتمع، لذا تجد في بعضها الكثير من المجاملات في وضع الدرجات، والتغاضي عن الحضور، والغياب، ومحاسبة المقصّر، باعتبار التلميد زبونا، والزبون دائما على حق، حسب منطق السوق!!، والذي يغضب زبونا، فالعواقب التي تعود عليه وخيمة، وقد فقد الكثير من المعلّمين الذين يعملون في مدارس خاصّة وظائفهم ، لأنّهم حاسبوا تلميذا مقصّرا، وحين يصل الخبر إلى وليّ الأمر، فإنّه يجعل مدير المدرسة بين نارين: إمّا سحب ملف
التلميذ من تلك المدرسة، أو طرد المعلّم، وغالبا ما يقيسها المدير قياسابراجماتيا، فيطرد المعلم،انتصارا للـ”زبون” !ورغم إنّ هذه المدارس تحت إشراف وزارة التربيةوالتعليم والموجّهون يقومون بواجبهم، لكن الشكليّات كثيرة، وما يراه الموجّهون،
وأولياء الأمور خلال زياراتهم، هو جزء من الشكليّات، فوراء الأكمة ما وراءها !وكما أشارت إحصاءات المركز إلى كثرة اعتمادهاعلى الأجانب، فإن هذا الإعتماد من مختلف الجنسيات والأعراق، يحدث نوعا من
التشتت الثقافي، والتشويش على الهوية الوطنيّة، فالتلميذ يلتقط قيم وتقاليد ولهجات معلميه، وعاداتهم المعيشية بشكل غير مباشر، لأنّهم بالنسبة له قدوة، ومثال ،في كلّ شيء ، وهذا لا يمكن أن يحدث في المدارس الحكوميّة التي تعتمد بشكل كبير على معلّمين عمانيين .
إنّ التجنّي الحاصل على المدارس الحكوميّة، وماصاحبه من ترسيخ صورة ذهنية لدى الناس – في الغالب- غير واقعية، رغم إن الكثير من أولياء الأمور تخرّجوا في مدارس حكوميّة! ومعظم الأطبّاء، والمهندسين،والكوادر الفاعلة في المجتمع درسوا في المدارس الحكوميّة التي هي أيضا بحاجة إلى المزيد من الإهتمام، للارتقاء بمستوى التعليم في السلطنة كونه أساس كلّ نهضةحضاريّة.