كل شيء مجيد في مستحثات وشواهد النجوم الطوارق ،ومكامن
هذا الكون الفسيح هي بوصلة الاتجاه نحو
الخالق والخضوع له تمام الخضوع ،والكون ايضا برزخ يفصل النور من الظلال ويتماهى
الفكر بالإيمان المطلق للعظيم العزيز .. وتقديرنا نحن البشر بعظمة الطبيعة وما
تحمله من كنوز وروايات مخبأة بين الحجر وفي قاع البحار تقدير يكاد لا يذكر ، فنحن
نمر على الذرة والقطرة مرور الحاجة لا التأمل والاستشهاد ،وتصنيفنا لها بات اما
علميا او عمليا لا روحيا او حتى وطنيا من باب ( حب الاوطان من الايمان) او هكذا
تبلج فكري ان اترجم ناظري الى مشهد الفجر في صدر قطعة اثرية راسية في براح بلادي .
هاهنا وبمد بصري في
انحناءات الشوامخ التي تلبس عمائم السحاب
..كنت ابحث عن حلم يتحقق في هذه الابهة الالهية من الطبيعة النادرة في ارض الجزيرة
العربية ..ارض الصحراء المكفهرة والتي تتخضب بالسمرة الحارقة مسترجعة من مخيلتي
صور الارياف والقرى الغربية الجبلية واين يكمن الفارق النسبي ..هل الطبيعة في هذه
الجزئية من موطني قد همشت ام اننا نحن من اهملنا صنعت الانجاز الرصين الذي يشقه
ابناءه دون غيرهم عالمين ،عارفين، مدركين لكل بواطنه وظواهره رغم علمي ان هذا الذهب الخام هو درع امني للبلد
وهو ايضا موطن التاريخ الضارب في الجذور ،صنعه الاجداد وشمروا سواعدهم لأجله ومنه
انبثقت عبقرية الانسان العماني في مأكله ومشربه ومسكنه وحتى منامه لا تشبه هذه
العبقرية الا شقائقها المتوزعة في بقاع
الدنيا من جبال زاجروس الى البقاع اللبناني الى حيث سلسلة جبال افغانستان
الممانعة.. مدى الاختلاف يكمن فعليا في قوة وارادة البشر ولهذا علينا ان نتدارس
وبعمق تطوير الجبل الاخضر بدون (وأّكد وبإصرار ) بدون جرحه وبتر اوصاله المتسلحة
بالطبيعة ولا شيء غير الطبيعة .من ذلك رفع سقف التوقعات بان تزدان اراضيه وقممه
بمضاعفة الاخضرار واستجلاب الاستزراع المفيد والمدروس لتثري هذه الارض اجزاء الوطن
المترامي الاطراف .
الا يعني شيء ان
يكون الجبل الاخضر سلة الفاكهة لعمان ؟؟..وان يكون مقصد سياحي حي ؟ ألم ندرك ما
تعنيه ثروة التراب وثروة الوطن ..في كثير من الاحيان نعتقد ان اي تطوير سياحي او
اقتصادي او حتى تجاري يحتاج الى خزينة بلد كامل او قد نتصور مشاريع ناطحات سحاب
عملاقة !..لكن الامر ابدا لا يكون بالتصور المعهود ،فالأمر يحتاج الى مخ ..فكرة
..همة ..واخلاص في العمل ،تتشرب به عروق المواطن وانسجته الدموية ..البعض منا للأسف
(واتمنى ان نغير هذا الفكر) مستسلمون للتسويف والمشاريع التي تحدث النقلة النوعية
والكمية في طابور الانتظار ،ولسان الحال ..متى ستحين الفرص ؟؟ لكننا لا نحتاج الى
انتظار الدنيا كي تبني لنا وطن ..علينا نحن ان نشحذ الهمم ونبدأ من قاع الارض فأهل
مكة ادرى بشعابها !!..وهنا لن اتحدث عن حكومتنا.. فاليد الواحد لا تصفق.. لكن
لنوجه اليوم حديثنا للمواطنين الميسورين من يحملون الدماء الوطنية و(الجواز
العماني) ..اين هم من تحويل بلادنا الى جنة ،بدل البحث عن الجنان في اوربا وشرق
اسيا ؟؟اين هم في وضع مشاريعهم الشخصية طريقا لبناء البلد لا لهدمه او النأي عنه.
ولأبرر حديثي ببعض الحقائق .. دعونا نكن
واقعيين قليلا ..
فأغلب ضيوف بلادنا هم من محبي الطبيعة البكر
،اصحاب ذوق مرهف قادمون من اصقاع العالم ..اليابان ،اوربا، ودول الخليج بشكل خاص ،
واذا ما فتشنا عن المطلب الاولي لدى هؤلاء ستكون بلاداً ذات طبيعة خلابة وحقيبة
التراث بما تحمله من العادات والتقاليد والفولكلور ووجه أصيل متشبث بحقيبته
بابتسامة وضاءة، كل هذا كاف لتكون هذه البقعة زاخرة (دون تصنع) بالمطلوب والمرغوب.
اذا فالأمر – في كثير من الاحيان – لا يحتاج
الى تدبيج المخططات العملاقة لتحشا بها المشاريع توصف بالمملينة ( الملايين) وآيلة
للتلوث بأيدي (المصلحجيين) ..إنما الى فكر عبقري وتفاني وإخلاص في العمل بكفاءة
تصدح بها منابر البلد الاقتصادية والاجتماعية كذلك، لكي تبنى البلد من اقصاها الى
اقصاها بهمة ابنائها ،لا بتلافيف نتاج الاستثمار الاجنبي الهزيل.
مازالت الارض ببكارتها ونقاوتها تسري ليلاً
وتلتحف بأشعة الشمس نهارا ،فلم يلامسها ذاك التغير الجذري ؛لتمسّك المتأصلين من
ابنائها بهذه القطعة الاثرية الثمينة من تراب هذا الوطن ،فهم يحملون عبق اجدادهم
لكنهم في حاجة الى يد العون لتبسيط سبل حياتهم
وترشيدهم للاستثمار السياحي والاقتصادي والاجتماعي (كونهم الاولى بها دون
غيرهم) مع تكاتف الحكومة والمواطنين لتسهيل المهمة..
تظل تخوم الجبل الاخضر فصلا من رواية
..حافلة بالأحداث والابعاد العميقة المتمثلة بتاريخ وثقافة وطن ممجد بتربته
المعتقة بأجساد ابنائه الشم من الذين سبقونا في اروائها ..من لم يهتز لهم طرف
للتنازل عن ذرة رمل منها ؛ ولهذا كان لزاماً علينا (حكومة وشعبا) فهم هذه الأعجوبة
الالهية وتنفيذ مخططات سياحية لا تضر بالوطن او المواطن حتى لا نشهد سيناريوهات
متكررة من اللامبالاة وحب تقديم الذات والمصالح الشخصية بدل الوطنية ..تكون
نهايتها عالة وليس تعميرا للبلد ،فخيبات الامل في القطاع السياحي باتت تتضاعف
ويندب لها الحظ السيئ رغم خشخشة الريالات لكل مشروع واصطفاف الدولارات بجانبه ، فمع كل ذلك نحن لن نسعد ولا نرتضي بأن
يكون الجبل الشامخ حقل تجارب سياحية فاشلة لأنه يمثل بالنسبة للعمانيين سلاحا امني
وعسكريا وثروة لا تقدر بثمن وارث تاريخي لا يباع ويشترى للغرباء (وغيرهم) من لم
يفهموا غير لغة المال والمصالح الشخصية فهو كما عده سيد هذا الوطن ارث ثمين نسلمه
لأجيالنا القادمة نقي معافى دون امراض التلوث وعنجهية المدن.