هنالك قوة كاسحة ترقد داخل ذات الانسان ..
قوة كامنة لا يكتشفها الا بعد ان يعارك الموت من اجل
سرقة لحظة عابرة من الحياة
لتصحو كالمارد فتبث في اوصاله ..وتعلن لحظة الحرية
التمرد البشري يتراءى كثيرا في معمعة السلوكيات وخروجها عن المألوف ..ولربما دائما ما
يحصر في خانت السلبي الممقوت ، واعتاه في تاريخنا البشري ذلك الي يناوئ الحكم والمستبد في دول كتب لها القهر والضيم لاختلافات الأيدولوجيات والرؤى والمصالح الشخصية..
لكن التمرد مطلوب (من وجهة نظري) في ذواتنا ..في حياتنا.. في اجترار انفسنا من مستنقعات
الواقع المؤلم ..الواقع المفروض علينا بالقوة من عقلياتنا التي تعتقد بان الحياة جدا ضيقة وان علينا
الانتظار الى ان تزهر لنا ،لا ان نحرث نحن الحرث لنجني بعد مشقة ثمار ما زرعنا ،التمرد
ضد الوجع والمعاناة ،ووضع قرار حقيقي لتغيير الواقع المؤلم (واقع الذات) الى واقع
يتمخض فيه الشعور بالرضا والسعادة رغم كل ظلمة.
ورغم ان هنالك العديد منا يعتقد ان مجرد وقوعه في حزن ونقص امر ما من معيشته التي لطالما
كانت محفوفة بالنعم والخير ،تجده ينزوي الى ركن القنوط ويقلب حياته رأسا على عقب لأتفه
الاسباب بل قد يصل الى الرغبة في إنهاء حياته هكذا دون مقدمات دون ان يعي ان في
الحياة من عصفت به الريح الى مكان سحيق فما يأس ، نحن حقا لم نعرف معنى المرارة
والعذاب بعد ولو اختلفت العقبات في حياتنا.
وكمليكة ابنة القصور المدللة والبذخ ورفيقة الاميرات وسليلة عائلة برجوازية مغاربية تضرب مثال التمرد الناعم ضد الموت وكبح غمار الحرية التي ينشدها كل مخلوق على وجه الارض ، لتبعث الحياة الى قلبها وقلوب افراد عائلتها التي زج بها في اعتى سجون الارض بالمغرب إبان انقلابي (الصخيرات) الفاشل في العامي1972 و 1973 والذي قاد الاخير والدها الجنرال محمد اوفقير قتل مباشرة في ظروف لا تزال غامضة مع نفر من العسكر بعد ان كان رفيق الملك واحد جنرالاته الكبار ووزير دفاعه.
بيد ان ما استوقفني ودفعني الى التفكير مليا في حياتها هي القوة التي استطاعة ان تبلغها مليكة طيلة عشرين عاما من الحبس !!..نعم عشرين .. قضت الخمس السنوات الاخيرة تحت الاقامة الجبرية ومتى ؟؟ في اولى سنوات عنفوان شبابها حيث الفترة التى تنضج فيها انوثة المرأة .تأملوا فقط فتاة بسن الثامنة عشر تساق مع افراد اسرتها البالغ عددهم اربع فتيات وولدين بجانب والدتهم وامرأتين اخلصتا للأسرة، اصغر افرادها ذو السنتين والنصف عبد اللطيف والذي لم يعرف الا البراءة وفي فترة حدادهم على موت والدهم يساقون الى معتقل (تازمامارت) الكامن بجبال الاطلس الاعلى منفى المعتقلين السياسيون بالمغرب حيث لا بشر ولا حياة تذكر ،وكما تقول مليكة فأن فقدها وحبسها زاد شدة من ان سجانها هو نفسه والدها بالتبني (الملك) ليكون حدادها مزدوج.
مع كل هذا فقد كانت مليكة المربية والمعلمة والموجهة فترة الحبس تشد على اخوتها لكي يبقوا احياء رغم كل ما تعرضوا له من جوع وبرد وامراض و كثيرا ما كان الفصل في زنازين اقل ما يمكن تسميتها بالموت البطيء، مما حدا بها التمرد ضد هذا الظلم الذي وقع عليها وعلى عائلتها لجرم لم ترتكبه ، لذا قرر الاخوة وعلى رأسهم مليكة الهرب عن طريق علب السردين وبعض الملاعق التي استخدمت كأدوات لحفر نفق ، هذا القرار اتى بعد ان تأكدت مليكة ان لا احد سيذكرهم حتى الممات فبات التمرد امرا مسلما به رغم محاولات الاضراب ومحاولات الانتحار الجماعي التي شهدته العائلة في المعتقل ،اذ لا مجيب . هنا فقط يبقى التمرد المنتظم عن طريق التخطيط لكسر الوجع وبوتقة الموت ،فبعد 15 عاما من التنكيل والظلم وعشوائية الحكم فإن تنفيذ مثل هذا المشروع ودون ارتكاب اخطاء يعد امرا طبيعيا وهكذا انتزعت اوفقير الحرية لتعلنها امام العالم اجمع ان ما من احد يستطيع اخراجي من غياهب الاسى واللوعة الا الاعتماد على النفس ووضع حد للألم والحرمان .
حتى العذاب له حد انت قادر على ان تنهيه مهما طال الزمان او قصر ، مهما كان كبيرا او صغير ولا شك ان مليكة تعطي مثال حي ان الحرية الحقيقية تكمن في تحرير عقولنا من حواجز المستحيل التي صنعناها في ادمغتنا ، نحن مهما وصلنا الى التكبيل في حياتنا حينما نبحث على الحلول تكون دائما موجودة وما علينا الا بالبدء بالتمرد على واقعنا
المتخبط والبدء في تهيئة نفوسنا الى قدرات اكبر لأنها قادرة على ان تجتر كل الاغلال المتوغلة في قاع الارض والتي تكبل اجسادنا وازالتها للابد .. نعم النفس الانسانية هي فعلا اعجوبة الاعاجيب او كما يهلل بها الامازيغيون المغاربة (زوين زوين بزاف).
نعمة الكندي