السياسة ،،، صاحبة الجسد المكتنز والمكتظ بشتى المتناقضات في حياتنا ، تتفلطح آرائها ويتلون منظريها كحرباء ، متأهبين لكل رمشة عين من غرمائهم ، وليس ذلك الا تحمية لسجالات قادمة،،يحمل الساسة بين أكتافهم مصير دول ويعيشون مارثون لا نهاية له الا بنهاية اعمارهم ،وما حياتنا ونظامها الا سياسة ..ففن الحديث سياسة ، وتربية الابناء لها سياسة متبعة كل حسب بيئته وميوله وقدراته، مصلحتك في العمل لها سياسة ايضا تتبعها ،إذاً فالأمر ليس حكرا على السي سيد .. المعهود .. ورغم ذلك فإنني اعنيه دون غيره …!
الهوى الذي تنزل علي والهوس الذي اصبت به منذ امد بعيد وادماني لهيرويين السياسة ما انفك يصبح ذا طعم لاذع ولون قاتم كلما اطلت التأمل والتحليل فيه مع جريان الدم في ارصفة البلدان العربية وغيرها ،وانا التي لا تختلف عن قريناتها في الهوايات المتداولة اوتلك التي تطبع على جبيننا منذ الولادة ،بيد أن الواقع يفرض نفسه والتعاطي معه
كيفما يحدث دون تفريق لجنس الانسان يأخذ مجراه الطبيعي بلا ريب..
مكثت التأمل لأيام لكلمات ترددت على جنبات كتاب الدكتور زكريا المحرمي الموسوم (استئناف التاريخ) عن دار مسعى للنشر والتوزيع ،والهندسة التحليلية التي صممها في هذا الكتاب جعلتني أعي تماما اي خارطة سياسية باتت تصمم وتبتكر في مصنع غير معهود، كان في البدء محارب من دول اكتفت بمبدأ “الاستبداد” والا فلا ،لتنتشر مواد المصنع وتنبعث ادخنته وابخرته الى سماء تلك الدول ،ويشكل غيمة متراكمة ،لا بل خارطة طريق للسياسة القادمة .
يثبت هذا الكتاب نظرية التأثير الطاغي والمتصاعد لمواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص “تويتر” ، ولو لم اخوض ذلك بنفسي لقلت إن في الامر مبالغة لا داعي لها أو وهم يخيل لهؤلاء انهم نجحوا في تحقيقه ،إلا أن المتدثر به غير المتعري منه..
فالكتاب يبني نظرية التأثير مع ما ألم بالعالم عامة والعربي خاصة فيما تدعي بالثورات العربية كان ولا يزال سببها شباب متعطش للحياة ،وصاحب رغبة عارمة للانطلاق فأستخدم اقرب وسيلة لفكره ومستواه وسيلة يتخاطب بها اقرانه في اصقاع العالم (مواقع التواصل) للبدء بعملية التغيير من شخصيات سيخلد اسمها مهما حاول البعض تقزيم واستصغار اداتهم ، ففي النهاية كتب هؤلاء وبالمنشيت العريض انهم هم المثقفون القادمون للتغيير ..ابن الشارع الباحث عن
مكانه وسط حشود الساسة ومتخذي القرار ..القادم من عالم افتراضي لا يؤمن به اكثر هؤلاء الساسة ،الا انه استطاع ان يطالهم ويثبت وجوده على ساحاتهم ،اذ لا عجب ان نري (اوباما ) يغرد بصوره في حفل تأبين نيلسون مانديلا أو ان نتابع الرئيس الايراني روحاني وهو يتحدث في جبال شيراز مع افراد شعبه.
إذاً..فهو واقع الافتراض يفرض نفسه على الواقع ، ولا يمكن دحض القوة التي باتت تأثر على الدول بحراك الشباب التويتري والمواقع الاخرى ،وقد عبر عنها المحرمي “بالسحر” الذي شل عقول الكثير رغم الاشكالات الجوهرية التي تظهر على مستوى الفرد والمجتمع .
إن هذه المواقع اصبحت تقيس مدى ثقافة الافراد والمجتمع على حد سواء ومدى التعاطي مع قضاياهم التي تمس دولهم وحياتهم ، وقد ظهر ذلك جليا عندما تكاتف الشباب العماني ضد الحملة التي تلت الاعلان عن رفض عمان للانضمام للاتحاد الخليجي في تويتر ومن ثم القضايا التي تسلسلت الى يومنا من سحب سفراء دول واعلان المقاطعة من
الاخر وغيرها مما استنفر العديد من الاشقاء الى استخدام ذخيرة الكلمات المدججة احيانا بالسباب واحيانا بالتروي واستحكام العقول ،وهو امر يقيس مدى ثقافة المجتمعات من هشاشة او رصانة تلكم الشعوب في التعامل مع الاحداث السياسية المنبثقة من حكوماتها.
وقد استذكر المحرمي السلطة في الماضي والحاضر وكيف سادت على مدى التاريخ نظريات الديمقراطية والليبرالية والشيوعية والعلمانية إنتهاءا بالنظرية السائدة في العالم وهي الديموقراطية الليبرالية ، بينما كانت اكثر دولة طبقت الديموقراطية بالمبدأ الشوري المنتخب في عصر النبي الاعظم محمد وخلفائه الاربعة لتبدأ بعدها مرحلة التوريث والملكية ،اما ما جعلني اقف مبهورة فعلا لحدث تاريخي لم يعرفه التاريخ قط ،هو ان العمانيين هم الشعب الذي طبق مبدأ الديموقراطية بمبدأ الشورى والاجماع طيلة 12 قرنا مع بعض الانقطاع، وذلك على مستوى الامامة والدولة والمجتمع
،ما اثبتته السياسة القائمة للقائد العظيم تجلى في العديد من المنصات بدأً من الحوارات التي تلت اعتصامات 2011 مرورا بتجربة الشورى الى الامتداد الذي يرسمه الشباب العماني بجانب المسؤولين وصناع القرار في الدولة من الاطروحات والنقاشات على مواقع التواصل .امر اعتقد جازمة انه نجح في مواصلة نفس النهج العماني وبلغة عصرية تتوائم ومعطياتها المطروحة .
عودة ذي بدء لموضوع (الثورات) والتصييف الحارق في الدول العربية المتحولة ،فإن المحرمي يرى أن مواقع التواصل ورغم تفجيرها لشرارة الحراك الشبابي في الدول العربية المتحولة قد لا يعزو سوى مؤامرة غربية سيقت
على ايدي الشباب المغرر به دون التنبه للقادم المغيب ، ورغم ذلك وما لنظرية المؤامرة من شكوك ،الا أن على الشباب تشذيب وصقل هذه الاداة مع واقعهم واحلامهم وواجباتهم كأفراد تجاه مجتمعاتهم بروح إنسانية عروبية متسلحين بالاعتدال لا الغلو وبالعلم لا الجهالة ، وبتقبل الرأي لا الاقصاء وتشتيت الصفوف ،من هنا نصوب الذخيرة الى الهدف المطلوب..
نعمة
الكندية