سعيد الصقلاوي: النظرية الحاكمة في الشعر خرجت من عمان
الشعر الحر أساسه موجود في التراث العربي
مسقط – أثير
قال الشاعر سعيد الصقلاوي: ( إن الشعر العماني لم يتخلف عن الشعر العربي أبدا، ولا مسايرته من حيث الأسلوب أو التصوير أو الأفكار، بل على العكس، النظرية الحاكمة في الشعر خرجت من عمان، والشعراء القدماء في الجاهلية كانوا من هنا، والشعراء القدماء في الجاهلية كانوا من هذه المناطق).
وأضاف الصقلاوي الذي أصدر عدة دواوين شعرية ويحمل درجة الماجستير في الهندسة المعمارية: (المأمول من الشعر العربي وعمان والخليج، أن يكون حاضرا في هذه الدائرة، وعندما نقرأ الشعر المعاصر في لغات أخرى كالإنجليزية نجد أن الأساليب والأفكار المطروحة لا تعلو عن الأساليب المتناولة في شعرنا العربي وفي شعرنا في الخليج).
جاء ذلك في حوار أجرته اثير مع الشاعر والبحث العماني سعيد الصقلاوي خلال إقامة اجتماع الاتحاد العام للكتّاب والأدباء العرب الذي احتضنته مسقط واعتبره: ( علامة فارقة في مسيرة الحراك الثقافية والأدبية في عمان؛ لأن هذه أول مرة يأتي لعمان أدباء وكتاب وممثلون عن اتحاد الكتاب العرب ليزوروا عمان ويقيموا نشاطا ثقافيا وأدبيا وثقافيا ويقيموا اجتماعاتهم في عمان ويتعرفوا على عمان، خاصة وأن كثير من الكتاب العرب لديهم صورة مشوشة عن عمان، وهذه الصورة يتم تسويقها من خلال بعض الآخرين الذي أيضا لا توجد لديهم رؤية واضحة عن عمان، ووجود هؤلاء بلا شك سيكون إضافة على صعيد التلاقي بين الكتّاب والأدباء العمانيين وإخوتهم العرب وغير العرب، والشيء الآخر هو نقل الصورة الحضارية العمانية من خلال هؤلاء الكتاب، والحضور العماني في محفل أو مؤتمر كهذاه المؤتمرات، وبالتالي هذه تعتبر إضافة جميلة وجيدة لجمعية الكتاب التي قامت بهذا العمل، والمهم أن تكون عمان حاضرة دائما، كما هي حاضرة في قلوبنا وفي قلوب بعض المثقفين، مثل أحمد شوقي وغيره من المثقفين، ولا بد أن تكون حاضرة في جميع أبناء الوطن).
– هل تعتقد أن مثل هذه الملتقيات قياسا بالفترة الزمنية التي تقام فيها قادرة على التعريف التاريخي والحضاري بعمان؟
هنا ندخل في قضايا وسائل الاتصال، اللغة الاتصالية بين الإنسان والمكان هي معظمها لغة بصرية ثم لغة سمعية ثم لغة خطابية، واللغة الخطابية تدخل في تفاصيل المشهد البصري، لكن اللغة البصرية يكفي أن يأتي الزائر لعمان ليرى عمان، يكفي أن يرى قلعة من قلاع عمان، يكفي أن يرى هذا البهاء في مدينة مسقط، وهذا الحضور التاريخي القديم والكبير في عمان الداخل وفي مسقط وفي صور، تكفي هذه الصور التي تعطيه إضاءات وإشارات وتجعله منبهرا بحضوره لعمان، وفي هذا السياق أحد الأخوة الأساتذة من نقاد العمارة في السعودية، حينما توفرت له فرصة أن يحضر إلى عمان أثناء مؤتمر للجمعية التاريخية الخليجية، وكنت مشتركا معه في المحاضرة، وبمجرد أن ألقى ورقته، واستحضر الكم الهائل من الصور التي أخذها عن عمان في مسقط ونزوى وقلعة نزوى، إذ جلس مبهورا ومندهشا، وللأسف منذ القديم قبل الإسلام وبعده استمرت حتى العصر الحديث، بأن حضور عمان في منطقة وسط الجزيرة العربية ليس قويا، والسبب ربما يكون سبب متبادل ومشترك بين العمانيين وغير العمانيين، لذلك حينما تتوفر فرصة للعمانيين في أن يكونوا حاضرين في المدن العربية الكبرى، كبغداد ودمشق وبيروت والقاهرة فإنهم يبرزون بروزا ظاهرا، وهذا أيضا منذ القديم، فلم يبرزوا الخليل بن أحمد الفراهيدي إلا لأنه كان في البصرة، والمبرد وابن دريد وأصبحوا علماء أعلام في مسيرة التاريخ العربي وهم أساسا عمانيين، إذن البيئة الحاضنة المتوفرة في هذه المساحة الكبيرة والحجم الكبير تساعد الأديب والمثقف والعالم والباحث والقادر على العطاء أن يكون عطاؤه حاضرا في الوجدان الحضاري والثقافي العربي.
– بصفتك شاعرا، سأستحضر جملة تنسب لأدونيس كان يشير إلى أن ما كان هامشاً أصبح متناً، ويشير إلى الشعر الخليجي بشكل خاص ونستنتج من أن الشعر في الخليج صار أكثر بروزا وأكثر حرفية من بلاد الشام أو مصر أو العراق، هل تعتقد أن الشعر الحقيقي الآن على الأقل من الناحية الجمالية والحرفية يوجد في الخليج؟
شعر الخليج في عمان لم يتخلف عن الشعر العربي أبدا، ولا مسايرته من حيث الأسلوب أو التصوير أو الأفكار، بل على العكس، النظرية الحاكمة في الشعر خرجت من عمان، والشعراء القدماء في الجاهلية كانوا من هنا، والشعراء القدماء في الجاهلية كانوا من هذه المناطق سواء طرفة بن العبد، أو مالك بن فهم أو المنخل اليشكري، كلهم من هذه المناطق، وهم أعمدة الشعر والأرضية الثقافية الشعرية في العالم العربي كانت من هنا، وهذا لا يمنع أن الشعر في الخليج وفي عمان تلاقى في الكثير من مضامينه ومفاهيمه وأساليبه وأطروحاته وأفكاره ومعانيه وأخيلته وصوره، مع ما جد واستجد في الشعر العربي والشعر غير عربي، وخاصة الشعر الغربي، والكثير من الشعراء الشبان والأدباء الشباب في عمان على تواصل مع الأدب غير العربي، وأشعارهم وكتباتهم ترجمت، أنا ترجم لي كتابات، وسيف الرحبي ترجم له كتابات، وهذا دليل على أن هناك تواصل ليس فقط محليا وليس فقط عربيا وإنما خارج هذه الدائرة إلى دائرة أوسع وأكبر، وهي الدائرة غير العربية؛ الدائرة الغربية والشرقية الأخرى، والمأمول من الشعر العربي وعمان والخليج، أن يكون حاضرا في هذه الدائرة، وعندما نقرأ الشعر المعاصر في لغات أخرى كالإنجليزية نجد أن الأساليب والأفكار المطروحة لا تعلو عن الأساليب المتناولة في شعرنا العربي وفي شعرنا في الخليج.
– إذن كيف تبرر ظهور أسماء في العصر الحديث من بلاد الشام والعراق ومصر وانخفاض أسماء في دول الخليج؟
بلاد الشام ومصر بالذات التصقت بالحداثة الغربية أسرع من التصاق دول الخليج بها، وبداياتها كانت منذ بداية القرن التاسع عشر، والبدايات الخليجية بدأت من خمسينيات القرن الماضي، وهنالك فارق زمني في التناول، لكن الخليجيين استطاعوا بقفزات هائلة أن يلتحقوا بهذا الركب، فمثلا لو جئنا للسياب، وهو مبتدع الشعر الحر أو التفعيلة، السياب حينما ابتدع هذا النمط من الشعر بالإضافة إلى أدونيس ويوسف الخال حينما ابتدعوا قصيدة النثر كانت نتيجة لالتصاقهم بالآداب الغربية، فالسياب كان يقرأ بالإنجليزية لأنه كان معلم لغة انجليزية، وأدونيس يقرأ بالفرنسة، ويوسف الخال يقرأ بالفرنسية والإنجليزية، إذن التصاقهم بالآداب الغربية مكنهم من أن يأتوا بأفكار أخرى ويطرحوها على المشهد العربي، ولو أتينا للشعر الحر في التراث العربي، فيوجد نمط من هذا الشعر وأساسه موجود، ويسموه نمط البند وهذا البند هو عبارة عن نثر موزون، ونستطيع أن نطلق عليه شعرا منثورا، وكل هذا الكلام موزون وفيه أوزان عروضية، ولكنها لا تلتزم بشروط الشطرين والقافية وغيرها، ولو عدنا للتاريخ سنجد أن العرب قد سبقوا هذه الأطروحات الغربية، وفي تراثنا أيضا يوجد اللسانيات، ولا أحد يستطيع أن ينكر الآمدي أو بن جني أو الجرجاني، هؤلاء هم الأساس فيما يتعلق في علوم اللسانيات، وهذه العلوم نتيجة لغيابنا نحن عن تراثنا وقدمت إلينا من الغرب، والغرب بلا شك اطلع على علومنا واستفاد من هذه الأفكار وأعاد إنتاجها بطريقة أو بأخرى، الكثير من الأدب الغربي متكئ على الثقافة العربية بمن فيهم شكسبير، في مسرحياته في الكوميديا الإلهية، ومسرحية روميو وجولييت إذ تعتبر اتكاء على قيس وليلى، وهذا ما يطلق عليه التثاقف الإنساني والحضاري وهو مشروع في المجتمعات كلها، لكن ينبغي علينا أن نثير الكنوز واللآليء المضيئة في تراثنا، وقد أعجبتني كلمة البابا بندكت في زيارته للبنان مؤخرا قبل استقالته، حينما أتى لبنانيون مسيحيون وتحدثوا معه بالفرنسية والإيطالية وطلب منهم أن يتحدثوا بلغتهم العربية، فهذا يعني أنك تمتلك قدرة كبيرة وتراثا كبيرا وموروثا ضخما جدا. مثلا النظريات الموسيقية أول من وضعها العرب، إذن هنالك مخزون كبير نحتاج أن نعتني به وأن نشعر به وتقوم بدراسات مقارنة بين ما هو موجود عندك وما هو موجود عند غيرك في نفس السياق وفي نفس الخط والمجال، حتى تعرف إلى أين وصلت.
– الحديث عن لبنان ويوسف الخال وأدونيس قادني لأن أسألك عن قصيدة النثر في مجلة شعر هل تعتقد أن أدونيس وهذه العصبة من الشعراء الكبار لم يقوموا سوى بتفريغ القصيدة العربية من الموسيقى فقط وهل يعني ذلك أنهم كانوا فقط يؤسسون أم أنهم أنتجوا قصيدة نثر حقيقية؟
هم أنتجوا قصائد، وأدونيس أنتج أكثر من يوسف الخال في قصيدة النثر، فدواوين يوسف الخال معظمها شعر موزون، وهنالك القليل من القصائد في الشعر الحر، ولا بد أن نفرق بين الوزن والإيقاع والموسيقى في ذلك، وأنا لي بحث عن هذا الموضوع؛ حول قضية الموسيقى والموسيقى الداخلية في الشعر، إذ يوجد فرق بين الثلاث مصطلحات، فقد تنتج شعرا فيه موسيقى ولا يكون موزونا وقد تنتج شعرا فيه موسيقى وفيه إيقاع ولا يكون موزونا، وقد تنتج شعرا موزونا وليس فيه موسيقى وإيقاع.
– المشهد الثقافي الآن وما يعلوه من ظلام سياسي إن صح التعبير، كيف تقرأه؟
_المشهد الثقافي دائما نظيف رغم العتمة، وكمثال هولاكو اجتاح بغداد وكان هنالك ابن خلدون، وبالرغم من العتمة الموجودة إلا أن هنالك دائما مصابيح ونجوم مضيئة؛ لأن العتمة ليست كاملة والظلام ليس دامسا، هنالك غبش، ومن خلال الغبش تتخلل الشمس وتتخلل الإضاءة، وهذا الغبش سوف ينكشف.
– تتنبأ بأن كل هذا الكم من الظلام أو الغبش كما تسميه، قد ينتج أدبا رديئا؟
الأدب الرديء قد يكون موجودا في ظل الصحو أيضا، الرداءة والجودة لا علاقة لها بوجود الغبش أو الصحو، لكن لها علاقة بوجود المنتجين لها، فهنالك متنج رديء يعطيك منتجا رديئا، وهنالك منتج جيد يعطيك منتجا جيدا، وهنالك منتج ممتاز يعطيك منتجا ممتازا.
– هل يوجد نقد حقيقي في الوطن العربي؟
توجد فئات أو مستويات من النقد والنقاد؛ فهنالك نقاد ينضموا إلى شلة معينة، أي لديهم طائفية في النقد، وهؤلاء ينتصرون دائما لطائفتهم حتى وإن كانت طائفتهم غير جيدة، ونقاد محايدون، ينتصرون إلى الجودة وهؤلاء قلة، ونقاد ينتمون إلى طائفة الجو العام، وهم كثر، ولكن النقد بمفهوم النقد، يحتاج دائما إلى شخص متمكن، وأنا لا أتصور ناقدا لعمل فني أو أدبي أو شعري ولا توجد له ثقافة واسعة وعريضة تمكنه من استخدام كافة الوسائل لاستنطاق ذلك العمل الفني، فإن أي ناقد لا يمتلك هذه الأدوات تظل دائما رؤاه وأدواته قاصرة عن استنطاق النص الموسيقي أو الشعري أو التشكيلي أو أي عمل إبداعي آخر، ومرة في ندوة جمعتني بالدكتورسعيد السريحي عام 1989 في النادي الثقافي، كنت أطالب بهذا وما زلت أطالب به؛ أن الناقد لا بد أن يكون موسوعيا حتى يتمكن، ولا يمكن أن يأتي ناقد ويتصدى لموسيقى الشعر وهو لا يعرف لموسيقى الشعر وإذا عرف فإنه يعرف شيئا من عروض الشعر، وعروض الشعر تختلف عن موسيقى الشعر، وبالتالي يتصدي ويسفح هذا وينكر على هذا وهو أقل من المنتج لهذا العمل.
الناقد مثل القاضي ، إذا كان القاضي لا يعلم باللغة العربية، ولا يعلم بالشريعة الإسلامية، ولا يعلم بالفقه، ولا يعلم بالقوانين وغيرها، يصبح القاضي قاصرا عن رؤية المتقاضى فيه، وهكذا الناقد ينبغي أن يكون موسوعي المعرفة، وأن يكون لديه إلمام بالتاريخ والعلم فيه، وثقافة باللغة وثقافة بالمجتمع والسياسة والفلسفة وعلم النفس، لا بد أن تكون عنده مشارب ثقافية أخرى ويكون هو النهر الذي تصب فيه هذه الشعاب، حتى يفيض النهر بعد ذلك على النص.
– هل نمتلك هذا الناقد الموسوعي في عمان؟
أتمنى أن يتوفر لدينا نقاد ويكون لديهم هذه الموسوعية.
– كلمة أخيرة تود أن توجهها لأثير؟
أثير عمل مقدر وفكرة جميلة ورائدة والحقيقة، أنتم وصاحب المشروع الأخ موسى الفرعي تقومون بعمل رائع وبديع لإيصال صوت عمان عبر شبكة الإنترنت وتحويل ما نراه في المواقع العمانية من نقاشات، وتحويلها إلى عمل ثقافي حاضر يمكن أن يتواصل مع كل العالم، وأنا أتصور بأنه في المستقبل سينفتح هذا المشروع على كل العالم، وكل الكتاب في العالم والفنانين يمكن أن يسهموا فيه، وبالتالي تصبح عمان السفينة التي تطوف الدنيا.
________________________