نسمة حب جزائريّة ب”مسقط”
عبدالرزّاق الربيعي
قبل أن التقي بهما في الجزائر ،خلال احتفالها باختيارها عاصمة للثقافة
العربية 2007م، كنت قد قرأت ، وسمعت الكثير عن د.أمين الزاوي ، ود.ربيعة جلطي، الكاتبين
الجزائريين اللذين قدّما للثقافة العربيّة
الكثير من الجهود ، ورفدا المكتبة بالعديد من
الأعمال الأدبيّة ، في الرواية ،والشعر،والترجمة من الفرنسيّة ،
والاسبانيّة، إلى جانب ماسمعت عن الدفء الإنساني الذي يتمتّعان به ، وروح المرح
التي يتمتعان بها ،لاسيّما الزاوي، لذا وفّرت لي تلك المناسبة ،التي شاركت خلالها
بليلة شعريّة عراقيّة أقيمت في المكتبة الوطنيّة الجزائريّة ، فرصة اللقاء بهما عن
قرب ، حينها كان الزاوي يشغل موقع مدير المكتبة بدرجة وزير ، وكانت المكتبة ، في
تلك الأيّام ، تضجّ بالحركة ، والزوّار من طلّاب وطالبات الجامعات ، والباحثين ، وجمهور
الندوات ، والأنشطة المتنوّعة ، التي تقيمها،باستمرار .
ورغم مشاغل الزاوي الكثيرة اعتاد أن يمضي المساء برفقة زوجته د.
ربيعة ، معنا ، إذ نخوض في أحاديث ،ونقاشات شتى، وغالبا ماتنتهي تلك الجلسات
بمجموعة من الأغاني العراقيّة التي تؤدّيها الفنّانة “سحر طه” التي كانت مدعوّة لفعاليّة ثانية ، لكنّها
انضمّت لجلساتنا المسائيّة اليوميّة ، وصارت جزءا منها .
اللقاء الثاني الذي جمعني بالزاوي كان خلال مشاركتي بمهرجان الجنادريّة
بالرياض ، إذ جرى ،خلال اللقاءات ، انضاج فكرة زيارة “الزاوي” مع “جلطي”
مسقط ،وهي فكرة قديمة ،لكنّ ظروف عمل الضيفين حالت دون تحقيقها ،وتمّ تحديد الموعد
،بالتنسيق مع الأخ موسى الفرعي .
ومرّت الأسابيع التي تفصلنا عن الموعد ، ثقيلة ، حتى تحقّق الحلم .
حلمهما بزيارة مسقط ، وحلمي بلقائي بهما فيها .
وقد ذكرت هذا في مداخلتي خلال
الأمسية التي أقامها صالون “اثير” الثقافي ، في مقر السفارة الجزائريّة،
فوصف مسقط للأدباء العرب ، حين يسألونني ، خلال مشاركاتي خارج السلطنة ، لا يكفي
لتقديم صورة عنها ، وحتى الذين يزورونها يرون إنّها كتاب لايكشف عن أسراره كلّها
عند القراءة الأولى،بل يحتاج إلى قراءات عدّة ، وقد لمست هذه الدهشة في عيني
الضيفين في الأماكن التي رافقتهم فيها عند زيارتهم لها.
وقدعبّرا ،خلال الأمسية ،عن سعادتهما ،بزيارة بلد “منبت الشمس” ،
وصاحب الإرث الحضاري العريق ، واللقاء بأصدقاء عمانيين وعرب يقيمون بالسلطنة
تربطهما بهم علاقة عميقة، بعضها يعود إلى عقود خلت .
في تلك الأمسية تجلّى الضيفان اللذان التقيا للمرّة الأولى مطلع
السبعينيّات في دمشق عندما انخرطا في جامعتها للدراسة ، وواصلا السير في دروب
الحياة، حدثت خلال تلك السنوات الطويلة تغييرات كثيرة، في العالم ، وتعرّضا خلال
السنوات التي شهدت استفحال التيار الديني المتطرّف إلى أكثر من محاولة اغتيال ، من
بينها تفجير سيارتهما ، لكن الله نجاهما من ذلك الحادث بأعجوبة ،ورغم كلّ تلك
المتغيرات ، والمطبّات الفجائعيّة ، ظلّا معا ، فالمحبّة الحقيقيّة من الثوابت ،
ومادامت الكتابة قاسما مشتركا أعظم ، فالمحبّة دائمة، ولم تتسلل الغيرة الأدبيّة
لقلبيهما ، فالمشاعر السلبية لاتجد لها مكانا في القلوب النقيّة ، المُحبة بصدق ، وحين
طلب الشاعر سعيد الصقلاوي ، الذي أدار الأمسية ، من “جلطي” أن تبدأ الكلام
من باب تقدير العرب للمرأة ، شكرته ، واعتذرت عن تلبية طلبه لتكون الكلمة الأولى
في الأمسية للزاوي ، فتحوّلت في تلك اللحظة من شاعرة أصدرت خمسة دواوين ،وكاتبة
نشرت ثلاث روايات ، وأستاذة جامعيّة ، وإداريّة بلغت درجة وكيل وزارة إلى زوجة، وعاشقة تلوذ بظلّ المعشوق، وتجد سعادتها في تقديم زوجها
عليها ، وفي هذا تقدير،وايثار،ونكران ذات ،واذابة في الآخر .
وحين جاء دور “الزاوي” ، في الكلام ،كان يشير، بين حين وآخر ،
إلى “ربيعة” ككاتبة ،ورفيقة درب مهّدت له طريق النجاح، فكانا نسمة حب
جزائريّة غمرت “مسقط” بعطر محبّة جمعت كاتبين يعيشان تحت سقف واحد .