سلطنة عُمان – صداقة البحر والجبل والقصيدة
إلى الشاعر الصديق عبد الله العريمي
حسن شهاب الدين – مصر
إذا كان ثمة ما يميز كل مدينة أكثر من غيرها فإن ما يميز عُمان تلك الجبال التي تحيط بدفء كسلسلة ذهبية في عنق امرأة ساطعة مدينتها الممتدة كسجادة أسطورية بين البحر والجبل
وإن كان ثمة ما سوف يعلق في ذاكرة أي زائر لعمان بعد رحيله فإنه ولا شك تلك الطيبة التي تتجسد بشرا والتي تعتمر كمة منمنمة بشكل يوحي إليك أن كل كمة منها نسجتها يد عاشقة لحبيب عائد من غياب..
أما إذا كان ثمة ما يثير التساؤل في نفس الزائر لعمان هو كيف لم تتأثر تلك الطيبة المتجسدة بشرا بتلك الجبال التي تطل عليها بل وتصاحبها أينما سارت وأين تلك التجاعيد القاسية التي تزهو بها وجوه الجبال في كل بقاع الأرض..
عليك أخيرا أن تعترف أن القلوب هي التي نجحت وربما للمرة الأولى في ترك أثرها على الجبال وليس العكس وإلا كيف تفسر أن يستقبلك هذا الجبل ويصافحك ذاك و يصاحبك ذلك. نعم إنك لابد أن تشعر أن الجبال التي تحدق فيك أيها العابر تكاد تبتسم لك ووراءها يمتد بحر عمان بذراعيه الممتدين حتى اللانهاية حيث يتعانق التاريخ مع الخيال والواقعي بالأسطوري..
البحر أيضا يستطيع بلا مقدمات أن يفهمك أنه ودود وليس عليك إلا أن تترك سيارتك لكي تتكئ على شرفته الناظرة بعيدا تاركا لرئتيك أن تفسر لغة هذا الهواء المنسوج بملح البحر والمنمنم بدقة الكمة بيد امرأة نسيت ضحكتها في يد موجة لاهية..
ما عليك إلا تتأبط ذراع قصيدة وتتخلى عن أبهة الإسمنت وبذخ الجدران الفندقية وتسير في شوارع عمان القديمة تاركا لخطاك أن تذهب بك حيث سوق مطرح المتشبث بالمدينة القديمة والخارج لتوه من البحر بعد أن ودع إحدى السفن الصديقة واستقبل أخرى قادمة للتو كي يحكي لها عن ذكريات مائتي عام من الصداقة بين البحر والجبل. وبينما تردد أبيات قصيدتك ستجد سوق مطرح يشير للقلاع الأثرية المحيطة به كي تصغي لهذا الشاعر القادم من وطن الشمس والمعابد الخالدة لينشد قصيدَ حبٍّ زرقاء تنتمي للبحر والسماء أكثر ما تنتمي للأبجدية..
المساجد في عمان فراديس صغيرة .. البيوت مدججة بالألفة. المطاعم تتلألأ كأسماك خارجة من مجرة الماء..الطرقات واجهات تعرض فاكهة الضوء للعابرين..الأسواق مرايا لا تسمح للعابر بالغياب..الناس أصدقاء بالفطرة..
عمان صحبة الشعر هي ذلك الوطن الذي ينتمي لجغرافيا استطاعت الخروج عن ضوضاء الحرب وارتدت رداء السكينة فيأخذك من عالم مشوش إلى عالم أكثر صفاء فيه من النبل الكثير ومن الصداقة الكثير ومن الشعر ما يحول بينك وبين مرايا الكوكب الهرم ..
كذلك أصدقاء الشعر هناك يستطيعون استعادة شباب اللغة ويمسحون بقصائد تتهجى الجمال تلك الرتوش التي توشك أن تفسد صورة العالم بحيث أنك وبعد أمسية شعرية عمانية بامتياز تستطيع أن تنظر إلى الأرض وهي تغتسل من أحزانها..إلى العالم وهو يدور في مدار أوسع من مداره الضيق حيث التجاعيد على وجهه أقل وكأنه استعاد شبابا اختطفته منه يد الحروب الآثمة..
وحين تقودك خطاك إلى المطار بعد أن تنتهي رحلتك في مدينة تتنفس طيبة وصداقة وحبا..ستجد وأنت تتلفت مودعا ذلك الجبل الذي أبى إلا أن يمنحك قطعة من سمائه الدافئة لتصبحها معك أن عليك العودة مرة أخرى على الأقل كي تلملم مع بحرها كلمات تلك الأغنية التي رواغتك وأفلتت من شفاهك وانتهز الهواء الفرصة فنثرتها يده بأقصى ما يستطيع على ذرى تلك الجبال وعلى نوافذ القلاع المتكئة على سنوات لا تعترف بسطوة الزمن لتظل كلماتها تدعوك لكي تتمها قصيدة حب زرقاء..
قصيدة تظل بدورها تحلم بالعودة..
______________________