الثقافة .. مابين الاستعلاء والإقصاء !!
حقيقة .. لا أعرف كيف أو بماذا أصف حال الساحة الثقافية العمانية هذه الأيام !! أهي فترة مخاض ثقافي مثلا !! أم اقتتال !! أم ماذا بالضبط ؟؟!!
فتارة تظهر لنا روايات أو ” مجموعات قصصية ” فارغة من كل شيء حتى الفضيلة !! وتارة يأتينا كاتب ليكتب بكل استعلاء تجاه مجتمعه وكأن ” الأنا ” كانت في قمة ذروتها لحظة كتابته لمقاله!! وتارة يخرج لنا ” مثقف ” ليسخر من الآخر بأسلوب لا يمت للثقافة بصلة !! ما هذا الوضع الغريب العجيب الذي نعيشه ياترى !!
من خلال متابعتي للساحة الثقافية الخليجية لم ألاحظ وجود مثل هذه النزاعات وبهذه الصورة العلنية بين المثقفين ، على الأقل ليس بهذه الصورة ولا بهذا المستوى من العلنية !! الاختلاف في الرأي مطلوب وصحي جدا ، متى كان مبنيا على أسس ومباديء لها اعتبارها ، أما الاختلاف لمجرد الاختلاف أو لأسباب شخصية لكون أني لا أحب الكاتب أو الإعلامي الفلاني ، أو لأن أفكاره تختلف عن توجهاتي ، أو لأن مايبديه بالساحة الثقافية يتصادم وما أروج له ، فكل ذلك لا يصح أن يصدر ممن يسمون أنفسهم ب “مثقفين” .
قرأت قبل يومين مقال الدكتور ” صالح الفهدي ” بخصوص برنامجه ” قيم ” ، حقيقية ، فإني أحترم شخص الدكتور صالح بشكل كبير جدا ، فهو إنسان ذو خلق عالي ، وعلى الأقل برنامجه ” قيم ” يحوي فكرا فاضلا ، لا أقول هنا بأني معجب بالبرنامج لأن لدي على البرنامج مآخذ كثيرة ، لكني أقول بأن هذا البرنامج على الأقل مقارنة بالكثير من البرامج المعروضة على التلفزيون العماني يحمل فكرا ومباديء ، ولكن المقال حقيقة كان بمثابة صدمة لي ، لو أن المقال كان منشورا بالفضاء الالكتروني فقط لقلت بأنه ليس للدكتور صالح وأن هنالك من يحاول الإساءة لشخصه ، ولكن المقال و ” للأسف ” كان منشورا بإحدى الصحف المحلية وهذا ما يؤكد أن المقال لكاتبه ، وأؤكد بأني لا أقول بأن المقال ككل كان سيئا ، ولكن ورد بين أسطره مايعكس روحا ” مفرطة ” في الثقة ، وكما يعلم الجميع بأن هنالك فرق بين الثقة والغرور ، كما أن المقال تضمن بعض الحقائق التي أعتبرها شخصيا مغلوطة نوعا ما .
دعونا نسترجع الفترة التي بدأ فيها عرض برنامج ” قيم ” ، سنجد بأن البرنامج ظهر في ذات الوقت الذي كانت تؤكد فيه الحكومة على ضرورة ترسيخ القيم في المجتمع ، وأتذكر أيامها أن هنالك ندوة وطنية خصصت لهذا الموضوع ، ومبالغ طائلة أنفقتها الدولة على فعاليات مختلفة لتحقيق ذلك الهدف ، في نفس السنة بدأ عرض برنامج ” قيم ” وهي تعتبر سنة ” خصب ” لانتشار البرنامج وإثبات موقعه في قائمة البرامج ذات الاهتمام الخاص وذات الأولوية حتى من قبل الجهات ذات العلاقة كالإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ، بل وكان وقت عرضه أفضل الأوقات ، حيث كان بعد صلاة المغرب في رمضان – إن لم تخونني الذاكرة – حيث تجتمع الأسرة بعد الافطار حول التلفزيون لمشاهدة البرامج التلفزيونية الرمضانية ، وعليه فإن البرنامج أخذ فرصته الذهبية كاملة للانتشار والشهرة ، وأن يتم تغيير وقت عرض البرنامج في السنوات اللاحقة ليكون في وقت آخر ليس دليلا على سوء نية القائمين على التلفزيون من أجل إفشال البرنامج أو إقصاء صاحبه ، وللقائمين على التلفزيون اعتباراتهم الخاصة وتقديرهم لما يصلح عرضه في هذا الوقت ومالا يصلح عرضه في الوقت ذاك ، بل وتصريح أحد القائمين على التلفزيون في ” تويتر ” بأنه تم الطلب من الدكتور صالح بأن يطور البرنامج من بعض النواحي الفنية ينفي شبهة ” المؤامرة ” التي رمى إليها الدكتور في أكثر من موقع في مقاله ، مع التأكيد بأن تخصيص وقت لعرض البرنامج في موسم معين لا يعني بالضرورة أن ذلك الوقت اصبح حقا مكتسبا لذلك البرنامج أو لصاحبه بما لا يمكن معه تغييره !
بالمقابل ، شاهدت ردات الفعل المختلفة تجاه مقال الدكتور صالح ، ولكن ما استوقفني فعلا هي تلك التدوينة ” المرئية ” التي هاجم فيه أحدهم الدكتور صالح في شخصه ، بل وبأسلوب في قمة السخرية ، وبألفاظ اقل مايمكن أن توصف به بأنها ” سوقية ” !! أهكذا يكون الحوار الثقافي ياترى !! منذ متى يكون النقد موجها لشخص الكاتب لا فكره !! كثيرون منا لا يتفقون وما ينادي به الدكتور صالح أو بمعنى أدق لا يتفقون وطريقة ” عرضه ” ، ولكن هذا لا يعطينا الحق في الانتقاص من الاخر ومن باب أولى لا يمنحنا الحق في اقصاءه !!
العجيب والغريب أن أرى المشهد الثقافي في عمان يعاني كل هذه المعاناة وفي ذات الوقت تجد المؤسسات الثقافية العمانية في سبات عميق !! أين دور النادي الثقافي مثلا !! أين جمعية الكتاب والأدباء !! أولا يستحق موضوع التراشق الثقافي ” البعيد عن مستوى الثقافة ” الذي تشهده الساحة العمانية هذه الأيام وقفة من قبلكم ياترى !! أين هي اللجنة الوطنية للشباب !! أولا يستحق مثل هذا الموضوع تنظيم فعاليات ودراسته للوقوف على أسباب المشكلة ووضع الحلول الناجعة للخروج منها بأقل الخسائر ياترى !! هي رسالة مباشرة أوجهها لمن يهمه الأمر .
ورسالة أخيرة أوجهها لكل من يعتبر نفسه ” مثقفا ” ، إذا كانت تصرفاتك ومستوى فكرك أنت يامن تعد نفسك مثقفا تكون بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب !! فماذا تركت لمن هو أقل منك ثقافة !! وكيف سيكون أسلوبه ومستواه الفكري ياترى !!
سعود الفارسي
30/4/2014م