إضاءة على المجموعة الشعرية “لأنها تأخرت” للشاعر جهاد أبو حشيش
بقلم: صابرين ع.ف
حينما يتأخر الحلم عن دق أبواب الشعراء,يصنعون موائد الحياة من حروفهم وتحمل غيماتهم فيض الروح ويتوكأ التعب على أنين العزف وصهيل القلب..يدلون النوتة على اللحن والموج يتقاذفهم ما بين وطنٍ وامرأةٍ وذاكرةٍ طفلة لم يمنحها الطريق الطويل النسيان، وهذا ما يفعله الشاعر جهاد أبو حشيش كي يلوك مُر الأيام. “لأنها تأخرت” المجموعة الخامسة للشاعر أبو حشيش الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع صوت الجرح, والمجروح في بحر الكلمة ليس بغريب.. يناجي كل خلجاته بعد أن ضاقت البلاد به، المفردة لا تخضع لخريف الرؤيا، تتمرد على ثقل كفتي الميزان فوق كتفي الموجوع والقَدر يغمس أصابعه في فنجان قهوة الوقت يسرج رئتيه لتتدفق القصيدة بثمار حروفها تستنطق الشاعر وتدثر نبضه.. تنهض الريح من رقادها وكلها نسائم عشقٍ وانتماء تطوي الأصوات المبحوحة التي يبرأ من لسانها وطن..السماء ليست بساخطةٍ وإنما هي القبلة التي طبعتها شفاه المحزون حينما ودع من دُفن..ويظهر ذلك في المقطع الأول من قصيدة “أنثى الوجل” في هيكل التابوت قبلتها وتراب نهديها الكفن غادرت نفسي كي أودع خصرها فرأيت أني من دُفن… هو الوقت نرتدي ملابس ليله وأحذية نهاره وبعضنا يقض مضجعه الجواب الذي ليس له سؤال.. روتين اليوم برنامجه حافلٌ بضجة العابرين والروح تخضع لمقصلة الفراغ ويتكرر المشهد..هو يومٌ آخر دون سؤال… “مقصلة” تحمل رسالة العمر لمن غزته صوفية العقل في محراب الكلام. ثمة تفاحةٌ علقها البحر على شجرة الماء واكتفى بيقطينةٍ ذابلةٍ في صحن الفراغ كورني الصمت لتأكلني الضجة العابرة…
يطوق الشاعر بنصل مفردته أنثاه. .يكتبها بالدم وهو يتأمل على سجادة الصلاة..هي طيفٌ اشتهى معانقته على سرير القصيدة ليتلو علينا قصة شهرزاد حين أمطرت حرفه قلباً ومنحت أنامله صوت العشق ذات مساء.. “نصل المفردة” يغمد حرائق الحرف وهي تتقلب على جمرات القلب : على نصل المفردة مددته كطيفٍ وببطء الجلجلة تسلت قليلاً ببعض الكلام… يحلم بأن يكون عاشقاً صالحاً يرتدي قلبه الأخضر في قصيدة “عشق”..في الغياب يصير للقلب ذاكرة يعطبها الحنين منذ كان القلب طفلاً وفي بستان العشق ترنم بآيات الجمال ولكنه في “غياب” الأرض عاد لينتمي لحجارتها كي يقطع حبل الشوق ولا تتبعثر الصور في الذاكرة ويصير مخاض الحرف عسير. ولكن نورسةً تنسل تحت إبط الكلام تهدي نفسه السلام في “فيض”..بعض القطط تغرس مخالبها في خاصرة القصيد وتلونها بالآلام فيرجع بذاكرته لأيامٍ من الوفاء خلت, تليها عزلة العطر كي لا تصدأ بقايا الألوان هكذا يرسم الياسمين على الجدران في “صدفة” على جسدٍ من الياسمين تحملني صدفةٌ لأدراجها بلا تزاويق كانت ولم تكن سواي… انغماس كامل في الذات هي قصيدة “دون احتمال” في منولوجه الداخلي يتبادل الشاعر دور شخصه الغائب بلسان امرأة غاب عاشقها فكيف الحال والمصاب واحد؟ كذلك قصيدة “صبارة الوقت” حين يتأمل الحاضر في الكون الذي يفقد اتزانه في دوامة الحروب والقتل وانعدام الأمن.. ناسكٌ الحرف في قصيدة “في العشق” وكلنا يُعرف العشق من منظور العاشق ويهدي الأبجدية مشهد الدفء في العشق تلتقي الخيول تلم ضوء العشب من أصابع الحبيب يرتخي النهار ركعةً في حجرها فتغيب.. وللأصدقاء من “فيزياء ضيقة” نصيب حين يعلقون مواعيدهم على مشجب الصمت ويمضون..”أغيثيني” عداد الوقت يتوقف عندها ويرتجف الصوت البهي في حضرة الألم.. أغيثيني بشراً لا يسكن وجد الركعة لكن بقايا القبلة في مطرٍ أغفله الوقت يعريني ودعيني أتوضأ بالسيف المرصوف على تربة شفتيكِ حنيّ بالغيب بقاياي… ومن الرؤيا تخرج طفلةٌ ترتق ما تفتق من الموج, والإعصار زمنٌ يتلقف الأحلام ويشاكس الدرب في “طفلة الرؤيا”..وفي “غرفةٍ خاوية” تبحث أنثى عن شريك سفر..”تفردٌ” في الحزن..”صباح الحبيبة” و”صباح” بداية جديدة كلها تفاؤل..و”عاشق” يختم مجموعته الشعرية موضحاً أن أجمل النساء “الوطن” يرد قلبه ويشرب من نبضه حرفاً يتألق.. إن الوقت والمكان ليس بذي أهمية للشاعر في لحظات الغياب القصري. للإيحاء الذاتي في قصائده دور مهم في نسق الحرف دون تكلف أو مبالغة حتى في تقمص دور الأنثى..كما أنه يبلور بنية القصيد ويضمنها الاستعارة والمجاز والكناية والموسيقى الشعرية فيتكامل الشكل والمضمون…
___________________