يحيط التقاويم وجذر التسميات إبهام لدى جل الثقافات، وهو ما نعاني منه في الثقافة العربية، فمازال السجال قائم حول أحقية وحقيقة عطلة يوم السبت، وهل هي تقليدا (لليهود)، كما يذهب إلى ذلك البعض، أم سياق تنظيمي لتداخل السياسة والاقتصاد ، بعدما اصبح العالم قرية، تميل كفتها إلى الضفة الغربية، بعدما أمست جل أو كل نظمنا صدى لصوتها، والإملاء صريح ولايحتاج إلى تلميح، وهنا حصل لغط بين أصل المعلومة و فصلها ، وبين مالنا وما للآخر، في سياق تحديد ماهيات الهويات الثقافية.
حينما تقع مسامعنا على إسم (إليزابيث Elisabeth) يقفز لأذهاننا أن مصدره إنكليزي ،بعدما أقترن باسم أعلامها من النساء،وهو أسم زوجة النبي زكريا وخالة مريم أم عيسى المسيح([1]). لكن الحقيقة تشير الى انه وارد من التراث اللساني الشرقي القديم، وهو متكون من مركب(إيل-سبت) أي سبات أو راحة الآلهة كمعتقد في أساطير الأولين، وعني به اليوم السابع في تقسيمات التقاويم في سومر وبابل، التي أعتقدت أن الآلهة خلقت الكون بستة ايام ، ثم حل يوم راحتها في السابع، وهذا ما اقتبسه اليهود، من خلال نصوص العهد القديم المفعمة بأساطير العراق الأولى . فجل معطيات (سفر التكوين) مثلاً أصلها سومري و بابلي، و انتقلت تباعا لتشيع،وأمست بديهية لا يعرف بداياتها المخترقة غياهب التاريخ، وادغمت في ثناياه، ووطأت المقدس، وتبوأت الحظوة خلال رحلة التثاقف. وبالنتيجة أوحت من خلال المركزية الغربية بان اليهودية والنصرانية جاءتنا منهم ، ولم تصدر من شرقنا، وحملت صلب عقليتنا، وبالنتيجة فهي من أمهات مساهماتنا في المنتج الروحي والفكري الإنساني.
إن مجمل تلك المعطيات تؤكد ان السبعة أيام سياق طبيعي في وفرة تداول هذا الرقم. وأن ما نتداوله اليوم هو محرف بالتسمية عما ورثناه من الأولين. فلم يكن اليهود يعرفون أيام الأسبوع بأسماء خاصة، إلا يوم السبت، وأضافوا إليه اليوم الذي قبله ( الجمعة) الذي أطلقوا عليه يوم الاستعداد ليوم السبت، أما بقية الأيام فأطلقوا عليها أعداداً, كاليوم الأول والثاني وهكذا. ومن جراء تداخل تسمية سبت في السومرية والاكدية مع الرقم سبعة ، والفعل المقترن لاحقا به أي يوم راحة الإله. فقد أقتبست كلمة سبت وسبات وشبط وشباط الآرامية ثم العربية بما يعني مجاز (الاستقرار)، حتى اقترن بأسم المدينة في الأكدية التي جاءت بصيغة سُبتو (Subtu) والعبرية والآرامية (شبات) ،بما يقابل (السبات) العربي. وعنى الأمر عينه فالسبت بالعربية البرهة من الدهر، و الراحة، والسكون ومازالت متداولة في بعض اللهجات.
أما عرب الجاهلية فلهم تسميات غير التي نتداولها اليوم للأيام، فقد أسموا السبت شِيَار و الأحد الأَوَّل والاثنين أَهـْوَن والثلاثاء جُبَار والأربعاء دُبَار والخميس مُؤْنِس و الجمعة العَرُوبَة ([2]). فقد أنشد ابن دريد:
يا حُسْنَهُ عند العزيز إذا بدا …… يوم العَرُوبَة واستقرّ المنبرُ
وقد ورث العرب من الأولين ثراءاً في علوم الفلك، منها أسماء الكواكب ومداراتها، وعلاقة ساعات اليوم بحركة الكواكب ،حتى أخترق الغيب والطالع. فجاء في الجزء الأول من كتاب رسائل إخوان الصفاء عن أوائل ساعات الأيام: اعلم أنّ الليل والنهار وساعاتهما مقسومة بين الكواكب السيارة، فأول ساعة من يوم الأحد للشمس …(ويوم الأحد عند الغرب هو يوم الشمس Sunday )، وأول ساعة من يوم الاثنين للقمر (والاثنين عند الغرب هو يوم القمر Monday)، وأول ساعة من يوم السبت لزحل.. (يوم السبت عند الغرب هو Saturday أو يوم زحل Satrun) وقس على ذلك([3]).وهذا ما أكده محمود عباس العقاد، ويذهب إلى أن إشتقاق الغربيون اسماء اسبوعهم جاء من العرب([4]).وهنا جدير أن نشير إلى ان تداخل الكواكب المقدس هو مفهوم شرقي قح، ورد عند السومريين والبابليين والمصريين وأقتبسه الحيثيين ونقلوه مع ما نقل الأتروسكيين الى الغرب ،حيث أمسى صلب الديانات الكوكبية (الوثنية) في الحضارتين اليونانية والرومانية. و في السياق فقد أخذ الغرب في الأزمنة المتاخرة الكثير من أسماء الكواكب والنجوم، وأسماء المدارات، والمصطلحات من علم الفلك عن العربية، منها على سبيل المثال لا الحصر السيف Saif الزورق Zaurek سعد السعود Sad alsud كرسي الجوزاء Gursu الكف Caph ..الخ. ولم تأخذ الايام اسماءها باللغة الإنگليزية، وباللغات الاوروبية المشابهة لها عن الرومان كما في الشهور ولكن عن الانجلو ـ سكسون الذين اطلقوا على معظم الايام اسماء آلهتهم، والتي تشابه اسماء الآلهة الرومانية وذلك على النحو التالي :
* Saturday (السبت) : الاصل الروماني هو dies saturni ويعني بالإنگليزية القديمة day of Saturn أي يوم الكوكب زحل. وزحل هو اله الزراعة عند الرومان.و الرقم (سبعة) (septem اللاتينية وهي اليوم sept بالفرنسية و setteبالإيطالية siete بالإسبانية و sapte بالرومانية)وكأنها توحي العودة الى أصل معنى(سبت) الشرقي القديم. وهنا جدير أن نشير إلى أن كثير من اللغات العالمية مازالت تحتفظ بأسم (سبت) مثل كل اللغات السلافية مثل الروسية وروسيا البيضاء والاوكرانية والبلغارية والجيكية والسلوفاكية والصربية والمقدونية والكرواتية والسلوفونية و تعداها حتى اللغات الاخرى مثل المجرية التي تلفضها(szombat) والرومانية (simbata)، وهي لغة لاتينية، واليونانية (سافاتوΣάββατο) . ومازالت الكنيسة تتداول كلمة(سباتمsabbatum)، في العبرية شبات(יוםשבת).وفي المالطية و الإيطالية (ساباتوSabato) وفي البرتغالية والجاليكية (سابادوsábado)، ووطأت حتى الفلبينية (Sabado)، ويبدو أن صانع لغة الاسبرانتو في القرن التاسع عشرأحتفظ بها ، فهي (ساباتو). وفي الأرمينية (شباتՇաբաթ)،وفي الجورجية(شباتي šabati)، وفي الصومالية (السبتي)، و(سبتو) في الملاوية والإندونيسية.ونجد في اللغات الشمالية سمي السبت يوم الرب، ففي السويدية لورداك lördag والدنمراكية وlørdag. أما الليتوانية Šeštadienis واللاتفية (Sestdiena) قد أختارتا بما يعني اليوم الاخير.
* Sunday (الاحد): الاصل الروماني هو dies solies ويعني بالإنگليزية القديمة day of the Sun أي يوم الشمس.أما بعد المسيحية، فتحول الى (دومنيكوس dominicus) اللاتينية ،والذي حرفت قليلا بحسب اللغات المقتبسة وقراءاتها، فهي في الفرنسية مثلا (ديمانش )، بينما بالإيطالية والرومانية (دومينيكا)، وتعني يوم الرب(المهيمن والمسيطر) أو حتى (القيامة).وأطلق عليه الأتراك (يوم البازار) اي يوم التسوق.
* Monday(الاثنين) : الاصل الروماني هو ويعني بالإنگليزية القديمة day of the moon اي يوم القمر.
* Tuesday (الثلاثاء) : مصدر الاسم هو Tiw او Tiu وهو الاسم الانجلو ـ سكسوني للاله الاسكندنافي Tyr وهو اله الحرب، وكانت في اللاتينية تعني Mars day أى يوم كوكب المريخ، وكان المريخ اله الحرب عند الرومان.
* Wednesday (الأربعاء) الاصل الروماني اللاتيني هو Mercurii ، ومنها قفزت الى اللغة الإنگليزية التي تعني يوم كوكب عطارد، وكان عطارد الهة التجارة والفصاحة والمكر واللصوصية عند الرومان!. بيد ان التسمية الإنگليزية اقتبست في القرن السادس الميلادي من أهل إسكندنافيا، أو مادعي الشعوب الإنگلو سكسون Anglo-Saxon.وعند البحث عن الكلمة Odin والتي تعد الإسم المرادف لـwoden. أو الآلهة أهل إسكندنافيا من الآلهة(أودين Oden) صاحب المطرقة الجالب للبرق والرعد، الذي يقابل في تراثنا السابق له، الإله “بعل” وهو (إيل الأكدي) أخو الإلة “اناة” أو (أنانا السومرية) واختصاصهما ما يحدث في السماء ،حيث الإله “بعل” هو إله المطر والخصب, وإذا ما تزوجا مع (أناة)، فإن نتاجهما يهطل مطرا مدرارا غزيرا .
* Thars day(الخميس) : الاصل الروماني هو jovis dies وأنتقل منها الى الإنگليزية القديمة، حيث تعنى day of thor وهو أحد الآله، كما تعني باللاتينية Jupiter.s day ( Jovis) ،اي يوم كوكب المشتري وهو كبير آلهة الرومان.
* Friday (الجمعة) : يعني باللغة الإنگليزية القديمة day of Frigga اي يوم (فريغا) وهي زوجة الاله اودين Oden ،وهي آلهة الحب والصحة عند الإسكندنافيين ، كما يعني الاسم باللاتينية Venus day اي يوم كوكب الزهرة، والزهرة هي آلهة للحب والجمال عند الرومان،والتي اقتبست من أصل عشتار السومرية –البابلية ،وعشتاروت الفينيقية ([5]).وعني في بعض الثقافات المسيحية يوم الصيام. وهنا نجد أن تغيير الاسم العربي من (عروبة) الى جمعة، كان مقصود وظيفي ومباشر ، حيث هو يوم لقاء معشر المسلمين.
ونرصد أن كل تسميات الايام في الثقافات الوثنية ومنها الجاهلية حولت الى ارقام لتفادي الحساسية في كنفها، لذا اختارت العربية يوم الأحد والأثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، حسب تتاليها للسبت كذلك الذي مكث يعني يوم الراحة، بحسب كل الشرائع والمعني اللساني المقتبس.ونجد في العبرية الامر عينه، فالأحد هو رأس الايام او أولها(ريشون יוםראשון) ،والاثنين (ثيني او شيني יוםשניsheyni) ،والثلاثاء( شليشي יוםשלישיshlishi) والأربعاء (رباعي יוםרביעיrevi’i) والخميس (خميش יוםחמישיkhamish) والجمعة هو اليوم السادس (יוםשישיشيشي).وهكذا فالعبرية هي الاقرب الى العربية كونهما من اصل مشترك واحد([6])، ولا يمكن ان يستثنى يوم السبت יוםשבת،حينما تتطابق تسميات الايام الأخر.
لقد كان المصريون القدماء يعدون أسبوعهم عشرة ايام والرومان ثمانية أيام،أما الصينيون فلم يجدوا مبرر ليوم للراحة، فكانوا يعملون طول أيامهم، حتى إقتبسوا في الأزمنة الحديثة نظام العطلة الأسبوعي من الأوربيين(المسيحيين). ويعني يوم الأحد في الصينية هو “يوم الأسبوع” (星期日أو星期天). و الاثنين حرفيا (اليوم الأول من (سبعة أيام) هي دورة الأسبوع)، ويوم الثلاثاء هو (اليوم الثاني من (سبعة أيام) في دورة الأسبوع)، وهلم جرا. ويعود إعتبار يوم الاحد هو صفر الاسبوع بسبب تبني الصين للتقويم الغربي. وهناك طريقة ثانية للإشارة إلى أيام الأسبوع هو استخدام كلمة تشو (周)، ومعنى “دورة”. لذا يشار إلى الاحد ( zhōumò周末)، ووهو يعني “نهاية دورة” و الاثنين تسمى وفقا لذلك( zhōuyī周一) “الأول من دورة والثلاثاء ( zhōu’èr周二) “الثاني من دورة،”…الخ. وآخر تطور حصل للتقاويم الصينية، وجدت لهجات عدة ،منها الماندرين والكانتونية والجنوب وأقصى الشرق )، حيث يشير إلى الأحد باسم “يوم العبادة” (lǐbàirì礼拜日 ، أو lǐbàitiān礼拜天) وتعني العبادة المرتبطة بثقافات اخرى مثل المسيحية والإسلام . وبذلك تحسب بقية الايام بحسب ترقيمها السابق حيث يكون الإثنين يعني (الأول (بعد يوم) العبادة ) وبذلك السبت يكون ” السادس بعد يوم العبادة).
ونجد الفرس اللذين إقتبسوا الكثير من سمات الحضارات العراقية، فأنهم يسيرون على نفس الطريقة الصينية، أي تكون دالتهم يوم (السبت ويلفظوه شنبه ) ، ويضاف الى رقم اليوم، لذا جاء لديهم يوم الأحد (یکشنبه) و الأثنين (دو شنبه) والثلاثاء (سه شنبه) والأربعاء (چهارشنبه) والخميس (پنج شنبه)، لكنهم أحتفظوا بأسم الجمعة كونه يجمعهم مع المفردة الإسلامية.وهنا جدير ان نشير الى ان الرقم سبعة هو (هفت) ويوم بالفارسية هو (روز)، لذا فأن مفردة (شنبه) حرفت من (شبت).أما السواحيلية التي هي الاقرب للعربية(70% عربية و30% بانتو ولغات أخرى) ويتكلمها أهل شرق افريقيا ووسطها، فيبدأ اليوم عندهم في شروق الشمس بدلا من غروب الشمس، وهكذا فالفرق اليومي لديهم امده إثنتي عشرة ساعة. لكن السبت هو اليوم الأول من أيام الأسبوع، كما هو اليوم الذي يشمل أول ليلة من أيام الأسبوع في العربية، وهو jumamosi ، والأحد jumapili. والإثنين jumatatu والثلاثاء jumanne والأربعاء jumatano و الخميس عربي: Alhamisi وكذلك الجمعة، Ijumaa. وهكذا أطلق اسم الجمعة على كل الأيام مع مرادف رقمي من لغة البانتو.
ونجد بعض تفاسير للآيات القرآنية المتعلقة بخلق الكون وتفسير أيام الأسبوع،فقد ورد في تفسير القرطبــى.على الآية (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ)([7]) معتمدا على أساطير اقدم ،وربما مما دعي(الإسرائيليات) ، ذاكرا:إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه فجعله أرضا وثار منه دخان فارتفع، فجعله سماء فصار خلق الأرض قبل خلق السماء، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سماوات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وكانت إذ خلقها غير مدحوة… إن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ثم خلق الأرض، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها، ثم دحا الأرض ( بسطها ) بعد ذلك.ومما يدل على أن الدخان خلق أولا قبل الأرض ما رواه السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله (ص) في قوله عز وجل: “هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات” ([8]) قال: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء، فسما عليه، فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين، في الأحد والاثنين. فجعل الأرض على حوت – والحوت هو النون الذي ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن بقوله: “ن والقلم” ([9]) والحوت في الماء والماء على صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على الصخرة، والصخرة في الريح – وهي الصخرة التي ذكر لقمان: ليست في السماء ولا في الأرض – فتحرك الحوت فاضطرب، فتزلزلت الأرض، فأرسل عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الأرض، وذلك قوله تعالى: “وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم” ([10]) وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها وشجرها، وما ينبغي لها في يومين، في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ” ([11]) يقول: من سأل فهكذا الأمر، “ثم استوى إلى السماء وهي دخان” وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سماوات في يومين، في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض، “وأوحى في كل سماء أمرها” ([12]) قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين. فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش، قال فذلك حين يقول: “خلق السموات والأرض في ستة أيام” ([13]) ويقول: “كانتا رتقا ففتقناهما” ([14]) ثــم خلق آدم (ع).
وثمة مكوث لبعض الأمثال والطقوس الاجتماعية وظنون الطالع والتوظيف الروحي والانشغالات والهواجس تتعلق بالأيام،ففي بغداد العباسية مثلا، والذي مكث حتى قبل عقود قليلة خلت ، واشار إلى ذلك المستشرق الالماني بيترمان في اواسط القرن التاسع عشر ،و ذكر أن يوم الجمعة يخصص للنساء ويوم السبت للصيد ويوم الاحد لتشييد الدور وترميمها ويوم الأربعاء لتعاطي الادوية وتناولها ويوم الخميس للشغل والزيارة وتقليم الأظافر وحلق الشعر.وأعتقد البغداديون ان قص الاظافر يوم الجمعة حسن، ويمنعون قصها يوم الأربعاء لان ذلك منحوس. أما يهود بغداد فلا يشتغلون يوم السبت، ويبيتون الأكل المعد يوم الجمعة، حتى أطلق على اليهودي البغدادي(ابن السبت)، والمثل الدائر(السبت برقبة اليهودي) أي لابد له أن يعطل حتى بقاهر الظروف. ويوم الأحد لا يرغب السفر به ولا تغسل به الملابس، أما يوم الأثنين، وهو يوم ميلاد سبطي النبي (ص) الحسن والحسين، ويفضل به الزواج، ويوم الثلاثاء ثقيل ولا تخاط به الملابس، ويفضل الخياطين العطلة. ويوم الأربعاء هو يوم مبارك لقضاء الاعمال، ويفضل به اكل السمك، وأعتقد أهل بغداد أن الشخص الذي يتوفى يوم الأربعاء، لابد من أن يجر خلفه بعض افراد عائلته وتفاديا لذلك (يدقون مسمار في تابوته)،كما ان النساء لا يذهبن فيه للحمام لاعتقادهن الإصابة بوجع الرأس.وفي هذا اليوم تقام حفلات (الحنة) لختان الاولاد وحنة العروس والدخلة وفي أمسياته تزار المقابر وتوزع الخيرات على ارواح الموتى ,كما تزار أضرحة الائمة. أما يوم الجمعة فقد جعلوها للراحة وعقدوها على أداء صلاة في الجوامع والمساجد وقد اعتادوا ألا يغسلوا الملابس لاسيما في وقت التمجيد (قبيل اذان الظهر) ([15]).
لقد تعودت المجتمعات أن يكون لها يوم أو يومين من كل أسبوع عطلة أو استراحة. وأقحم في تصانيف وخصوصيات العقائد فكان لليهود يوم السبت، والمسيحيين الأحد. وهنا جدير ان نشير إلى أن لم يحدد للمسلمين يوم عطلة شرعاً ،إلا أن ساعة الصلاة من يوم الجمعة يحرم فيها العمل. وهذا ما وطأ الأزمنة الحديثة فسنت معظم الدول العربية نظمها المقتبسة من الغرب، واحتفظت بيوم الجمعة كاملا كيوم عطلة، ولم يلحق به يوم ثان إلا قبل عقود قليلة، حينما سرى تقليد عطلة يومين العالمي، فكان في البدء يوم الخميس، بيد أنه يضر في مصالح الدول الإسلامية التي مازالت تابعة بجلها لمنظومات الغرب الإقتصادية، ولاسيما المصارف وحركة راس المال. ففي الغرب أختار القوم يوم السبت المرادف للأحد المسيحي، وبذلك تخسر الدول الإسلامية أربعة ايام من التعاملات، الذي يضر باقتصاداتها الهشة الريعية الكسولة في جلها. لذا فإن التحول من يوم الخميس الى السبت، لا يلغي طقس الجمعة الثابت، بل يوفر يومين من الخسارة، ولاعلاقة بكل ذلك مع اقتفاء عرف يهودي، بل لمبررات اقتصادية محضة. و إذا دققنا في هذا اليوم سنجده وارد من صلب ميراثنا في الشرق القديم، فإذا اشاعه اليهود في أعرافهم فما الضير في الامر، ولاسيما ان اليهودية مثلما المسيحية منتجنا المحلي ولم يأتي من الغرب البته ، وهنا ندعوا العقل درء ومراجعة النقل، الذي أتعب الوعي وأشاع قطيعة مع التجديد الذي لا يظر بثوابتنا الثقافية.
[1] زكريا (بالعبرية: זכריה) هو نبي في الإسلام واليهودية والمسيحية، وهو أبو النبي يحيى. وزكريا أو زكرياء يعني “ذكره الله” أو “مذكور الله” وكان من كبار الربانيين الذين كانوا يخدمون الهيكل. وكان عمران -والد مريم- إمامهم ورئيسهم، والكاهن الأكبر فيهم،وزوجة زكريا إيلزابات هي أخت حنه زوجة عمران.
[2] المصادر: المنتخب من غريب كلام العرب – كراع النمل و لسان العرب – ابن منظور -و مقاييس اللغة – ابن فارس.
[3] إخوان الصفا: فرقة فكرية عراقية ظهرت في البصرة ثم بغداد في القرن التاسع الميلادي ، عُرفت باسم “إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء”، اشتهرت بتصنيفها مجموعة من الرسائل في مختلف فروع الفلسفة والعلوم الإنسانية في زمانهم. انظر دراسة الدكتور محمود إسماعيل: إخوان الصفا: روّاد التنوير في الفكر العربي، المنصورة، 1996 م..
[4] عباس محمود العقاد: اثر العرب في الحضارة الأوربية-دار المعرف –القاهرة 1965..
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC