تبدأ مقاييس الإبداع من حيث يرى المتلقي ما تقدّمه المؤسسات الثقافية والمبادرات الراعية لنتاج المبدع والمخترع سواء أكان عربيًا أم غربيًا، وتبدأ المقارنة بين ما تقدمه المؤسسة العربية وما تقدمه المؤسسة الغربية لرعاية المبدع نفسه.
فهل السبب انخفاض مستوى شروط المؤسسة أم السبب هو عدم الترابط بين الوزارة والمؤسسة أم أن تسارع مجريات الحياة وتسارع الحوادث وكوننا في عصر السرعة لا يدعنا نجاري تيار العصر، أم أن الآليات والفلسفة العمليّة مازالت آليات لا تواكب المواهب وما هو حديث، أم أن السبب الرئيس لم يعد إلى الكفاءة لدى المسؤولين والعاملين في الوزارة؟
كي نتحدث عن مدى البؤس الذي يعتري أرملة الإبداع ووزارة الثقافة وعن الحالة الرّثة للمثقفين فيها، وعن مسئوليها الذين فيهم من لا يثير اهتمامه إلا وجهه على الصفحة الرئيسة للصحيفة وأينما وجدت فعالية ثقافية هبوا إليها راكضين، مع أن وزارة الثقافة لم تدفع فلسًا واحدًا في سبيل إنجاحها.
ما يثير امتعاظي لدى البعض تجدهم يعملون على نشر نتاج مبدعين ليسوا عربًا وجعلهم محل احترام وتقدير، ثم يسألون بوقاحة ماذا فعل العرب.؟ ووصلت بالبعض أن قالوا ماعادت الشعوب العربية تلد المبدعين والمخترعين.
في زخم الأحداث السياسية والثقافيّة وفي معترك الحياة التنافسيّة يجد المبدع نفسه أسيرًا وسط كومة من الأوراق جمعها طوال سنوات عمر ربّما ضيّعه هباءً راجيًا من المؤسسة أن تنير له طريقًا تتيح له حياة كريمة بعد مضي سنوات من الجهد والتّعب يخرج منها بحصة متواضعة بدلا من أن يخرج بنصيب الأسد، وتكون المراحل الأخيرة من حياته مراحل إعادة تأهيل ورعاية مبدعين جدد.
نحن العرب كثيرًا ما نصنع من القاذورات إبداعًا، لذا تبدو العديد من اﻷعمال “الابداعية” مجرد عملية تكرير لمادة سبق استخدامها، وليس ذنب المبدع حيث أن الحالة الرّثة لوزارات الثقافة ولأسباب جعلت حال المبدع أكثر بؤسًا لينصرف بدوره إلى البحث المرهق عن رغيف خبز كحليّ التّعب والرّكض خلف جائزة ما مكلفة تقتصّ من قيمته الأدبيّة والعلميّة ولا تقدم له سوى مساحة إعلاميّة هشّة، وليست كما يجب ان تكون لتحفيز الإبداع وخلق مناخ يليق بمستوى المبدعين العرب في كافة المجالات العلميّة والأدبيّة والفنيّة وغيرها، ولنشر ثقافة الإبداع في المجتمعات العربيّة وإبراز دورها في التنمية، لتشجيع المبدعين والتعريف بإنجازاتهم وتصدير هذا النتاج إلى العالم.
وحيث أن الجائزة تقدم مبلغًا ماليًا لا يعادل نصف ما صرفه المبدع إلى أن وصل درجة تؤهله لنيل الجائزة ومقارنة بما تمنحه المؤسسات الأجنبيّة وهو عبارة عن رعاية كاملة للمبدع والأكثر أهميّة هو منحه فرصة التّفرغ ليبدع وليس العكس مثلما هو حاصل لدينا “أبدع ثم تفرّغ للحلم بجائزة تفرّغ قصيرة”وإن لم تكن لديك علاقات واسعة ذات نفوذ مقرّبة من سلطة المؤسسة فحافظ على حلمك كي تبقى على قيد ذنب اسمه الإبداع.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC