رجل الاستشراق: مسارات اللغة العربية في فرنسا
د. الطيب ولد العروسي
كما أنه اهتم باللغات الشرقية لأن ” علاقاتنا التجارية مع البلدان الناطقة بها موجّهة إلى ازدهار جديد، لكي يعيّن لكل منها أستاذ خاص يمكن أن يقدّم معلومات أكثر و عناية أكبر في هذا المجال” ( ص.31)، فمن هنا نرى أنه يضاف إلى الدافع الاستعماري الدافع التجاري ، حيث جُند للغايتين مجموعة من المستشرقين ليكتشفوا مجاهل الشرق، وأن نظرتهم بدأت تتسع مع اكتشاف “كامل الكرة الأرضية، و تكتشف في الوقت نفسه جزءا من قوانينها العلوية، و بدأت ذهنية الحروب الصليبية لديه تفقد حدّتها، و مع فلاسفة عصر التنوير بدأ إدراك جديد للشرق في الظهور” ( ص.27).
هكذا يواصل المؤلف بحثه في الفصل الثاني بعنوان ” اللغة العربية: الأسطورة و الواقع” و هنا يتطرّق إلى صعوبة هضم و غموض عبارة اللغة العربية، لأنه وجد نفسه أمام لغات، فماذا يتعلم، لغة القرآن التي هي “شكل من أشكال العربية التي كانت مستعملة في الجزيرة العربية؟ ” ( ص. 44) ، و التي تطورت كلغة مستقلة، أم اللغة المحكية، يعترف المؤلف بأن اللغة العربية “هي إحدى أقدم اللغات الكونية، لكن ثقل المعجم الناتج عن هذا القدم يشكّل عائقا يضايقها في عملية التقدّم و الازدهار من جديد، و يقيّد التواصل الجيّد للدول العربية،” ( ص.46).
إن تعاقب المدارس الاستشراقية أدّى إلى الوضع التي تعيشه اللغة العربية في فرنسا اليوم، و هو وضع غير مرضي، لأنه مع مجيء الجيل الثاني و الثالث تبيّن أن المنهجية المستعملة متجاوزة و أنها أهملت أو أبعدت بشكل أو بآخر المقبلين عليها، الأمر الذي أدّى إلى صعود جمعيات و مساجد افتتحت أقساما لتعليم اللغة العربية، ما دام عدد المنتسبين إلى الأقسام التي تسيرها وزارة التربية الفرنسية يتراجع سنة بعد أخرى، و كان المؤلف استشرافيا لأنه رأى ” إن حال تعليم اللغة العربية في مؤسسات التعليم الثانوي و مؤسسات التعليم العالي في فرنسا غير مرض رغم التقدّم المحقق منذ خمسة عشر قرنا، سواء كان ذك على مستوى مضاعفة المناصب أم على مستوى تكوين الأساتذة” ثم يواصل ” لكن وسائل نشرها تبقى ناقصة رغم الاهتمام التي أبدته السلطات العامة حتى السنوات القليلة الماضية” ( ص.48).
لا زال هذا الوضع مترديا، و فرنسا لم تستدرك الوضع، مما فتح المجال لبعض الدول العربية إلى العمل على تعليم أبناء مهاجريها ، لكنها وجدت صعوبات جمة في التعامل غير المجدي مع المؤسسات التربوية الفرنسية التي لم تتعامل معها بطريقة واعية ، هذا الوضع دفع بالمهاجرين إلى البحث عن بدائل لتعليم أولادهم فكانت الجمعيات و المساجد عبارة عن ملجأ لهم ، و هذه أحدى النتائج التي ترتّبت عن الفوضى أو الهشاشة التي عوملت بها اللغة العربية رغم وجود جاليات مهمة من المشرق و المغرب لم تحسن فرنسا التخطيط لإدماجهم و إيجاد خطة بيداغوجية واضحة المعالم للسهر على تعليمهم لغتهم الأم، لأنه ” لا يوجد اهتمام حقيقي باللغة العربية في فرنسا ( و ربما لن يوجد أبدا). و الواقع أننا نسجّل في هذه الفترة ( الستينيات) عداء واضحا للعرب و بعض الرفض لثقافتهم، و هذا رغم وصول عدد كبير من الأوروبيين العائدين من الجزائر “الأقدام السوداء” و الذين كان عليهم على الأقل، الاهتمام باللغة العربية، إن لم تكن هذه العودة هي السبب في ذلك العداء ” ( ص.49).