أتعدلون ؟ فيأتي عدلكم عجباً..
من فاته الحبل.. يقضي العمر مسجون…
أدب السجون ، وما يحمله من تجارب كتّابه ورواته أخذ مكانه وباِستحقاق ،هذا إذا لم يكن المتصدر للأدب السردي ،فمع قراءتي المتواضعة لتجارب مضت وكيف أثرت على الانسانية جمعى بدءاً من قصة سيدنا يوسف – عليه السلام – إلى المهاتما غاندي مروراً بمانديلا ومصطفى أمين في كتاباته (سنة أولى سجن ) وباقي السلسلة ، إلى معتقلي(تازمامارت )المغاربي منذ زمن سنوات الرصاص المشهورة في السبعينات من القرن الماضي كالروائي الكبير يوسف فاضل وأحمد المرزوقي ..والكثير الكثير من الاسماء التي لا يمكن حصرها في أسطر، بل وحتى في تاريخنا العماني وما شهدته ليالي
سجن الجلالي من وقائع وأسماء ، منهم من قضى نحبه ومنهم من استنشق طعم الحرية إبّان النهضة المباركة وإطلالة العهد الميمون .
تطل تجربة الكاتبة والصحافية لجريدة(الرأي) الكويتية ريم الميع لتنفرد بكتابة فصول مغامرة عاشتها قبل عشر سنوات في (ثلاث أيام)، مسجلة بذلك سبقاً صحافياً جريء ، خاصة وأننا نتحدث عن فتاة خليجية من مجتمع لازال محتفظاً بالعادات والتقاليد العتيقة ، ومتحفظاً على الحقوق السياسية للمرأة الكويتية آن ذاك .فعادة البشر الهروب من السجن والبحث عن منافذ الحرية أما هي فقد آثرت القفز الحر فضولاً وشغفاً ،لتقوم بزيارة استثنائية إلى اعتى معتقل في الالفية الجديدة ، ذلك المشيد بأيدي من ينسجون فكر الحريات وحقوق الإنسان ..أبناء العم سام ،وعلى ضفتي خليج كوبي انعشته تيارات كاريبية ، الامر – كما تترجمه الميع – يحمل المتناقضات في ذلك الجزء من العالم المدعو غوانتانامو.. فالموقع كان ولا زال قاعدة بحرية للقوات الامريكية في أرض كوبية شيوعية خاصمتها دولتهم لاختلاف المصالح، رغم ذلك فهذا
الخليج مختوم بتوقيع امريكي بامتياز.
في ضفته يتدثر معسكر ( إكس ري) وفي الضفة الاخرى معسكر (الحرية ) والفارق بين الضفتين أن الاول مقبرة الاحياء ممن تصفهم الولايات المتحدة بأخطر الارهابين على الاطلاق ،اما الاخر فهو مدينة الرفاهية المصغرة للجنود وراحتهم ، ورغم البون بين العالمين الا أنك تتساءل من السجان ومن المسجون؟ أهو القابع بين غرفة مكشوفة
المعالم لا تتعدى الستة أقدام بجدران شائكة وأسلاك ، أم أولئك المتوجسين من كل شهيق وزفير يصدر عن تلكم المخلوقات التي ترى الكاتبة أن الكلاب الحارسة في ذلك الجزء تعيش بحقوق لا يحلمون بها.
وبين الفعل والفاعل في غوانتانامو غموض أشبه بالأرجوزة التي يحاول الأمريكيين أنفسهم فك طلاسمها للبدء باللعبة ، فلازال مشهد المعتقلين ضبابياً بالنسبة لهم ..كيف ومتى سينتهي هذا النفق المظلم ؟ وبين السجين والسجان ألف حكاية وحكاية ، فكل ما التقطته اعيننا من الشاشات الفضية ، وما شهدته ريم هم أفراد (برتقاليين) مكبلي الاغلال في مكان ضبابي حيث لا إحساس بالوقت والزمان ، محاطين بكلاب وأسلاك وجنود من كل الاتجاهات ،أما تفاصيل
الحكاية ، فلا شهرزاد اباحتها ولا ابناء العم سام أنهوها، فقط ليالي غوانتانامو المبهمة تبيحها لأولئك القابعين تحت سمائها.
سرد الكاتبة للأحداث بخفة دمها وروحها المشاغبة جعلت من هذا الموضوع المبهم والمستثقل اكثر إشراقا ومتعة على خلاف التجارب المريرة التي خاضها أصحابها او اقتربوا من حيثياتها في أروقة السجون المقبرة ..ولاشك أن هذا الاسلوب صب في مصلحة الكتاب لما يحوي من معلومات سياسية وتاريخية عادة ما تكون مطنبه ومعقدة.
كتاب (كويتية في غوانتانامو) من دار مدارك للنشر يمكن وصفه بوليد (تويتر) ذلك العالم المفترض ،والذي ألهم الميع للعودة الى التحليق مع الصفحات والقلم بعد انقطاع ،واستحضار تلك المشاهد العالقة في ذاكرتها ،قل من خاض صولجانها ..أمر ليس بمستغرب من ابنة ديرة عرف عنها منذ عشرينيات القرن الماضي بالحراك السياسي والثقافي مفعم (بخفة دم الكويتيين ) المعهودة.
نعمة الكندية