قراءة في كتاب (الاستبداد) لسماحة الشيخ العلامة احمد بن حمد الخليلي
((إن المستبد يتخذ الممجدين سماسرة لتغرير الامة باسم خدمة الدين
أو حب الوطن أو الدفاع عن الاستقلال ))
عبد الرحمن الكواكبي
أثير – نعمة الكندية
الدراسة التي أعدها سماحة الشيخ العلامة بدر الدين أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان والتي جاءت متزامنة مع ما تمر به المنطقة العربية من تحولات طفت على السطح حتى اصبحت تنثر سمومها شرقا وغربا ،هي – من وجهة نظر – التحليل والتشخيص المنطقي للنتائج التي سببتها سنين الضيم والخروج عن المنهج المفترض الذي تم رسمه في عهد النبي الاعظم محمد صلى الله عليه وسلم والذي انحرف بنهاية الخلافة الراشدية .
المتصفح للدراسة المتسلسلة تاريخيا والتي أفرد سماحته ساحتين لها ،الأولى عن مظاهر الاستبداد وانتشاره والثانية عن مواجهته ، ويلحظ توثيق سماحته للدراسة بما يربوا عن الـ(233) مرجع بمختلف المذاهب والطوائف الاسلامية وفي مختلف العصور ،إن دل ذلك على شيء فإنما يدل على الحجة الدامغة التي صاغها الكاتب ليضعها بيد الامة جمعي .
ساق سماحته امثلة الامم الغابرة وما لحلقة القيادات الروحية من تأثير كبير على عقول الناس وايهامهم للوقوع في فخ الظلم وتعميت اعينهم عن الحقيقة بدأ من الفراعنة وتأثير الكهنة بمجريات السلطة واستخدامهم كمحرك لرغبات الملك ،مرورا بالرومان ولعبة البابوية وحتى الفرس وإذلالهم للناس باسم الالهة ، ليأتي نور الاسلام وينسف ما صنعته الجهالة بالناس وتبدأ مرحلة العدالة الاسلامية لتشمل البشرية بلا استثناء ، حتى اذا ما انتهت مرحلة الراشدين عادة نار الظلم تتأجج ،بخلافة معاوية ويزيد والذين زرعا اولى الخلايا السرطانية على الامة الاسلامية التي نهشت بجسدها طيلة حكم الامويين ومن جاء من بعدهم من العباسيين لتنحرف توجهات الامة نحو الفردية وشخص الخليفة والملك والحفاظ على عروشهم بدل الحفاظ على اواصرها ، والانقسام الذي وضع دعائمه معاوية حيث استغل معاوية عددا من صحابة رسول الله لتكون الخلافة له وليزيد من بعده استخدم فيها السيف لمخالفيه ادى ببعض الصحابة لقبول البيعة له منعا لإراقة دماء المسلمين .
لقد اوجز سماحته في ساحة الكتاب عن موضع الجدل لحديث رسول الله الشهير في الفئة الباغية (تقتل عمارا الفئة الباغية) بالبراهين القطعية وكثرة اسانيده عن كونه نص صريح لا غبار عليه لمن حاول اللف والدوران لأجل تبرئة معاوية ، ومنها الى الحرب الشعواء التي وجهة للخليفة الشرعي علي بن ابي طالب (كرم الله وجهه) وما للأحداث الدامية التي عصفت في تلك الفترة على المهاجرين والانصار في المدينة عندما استحلها يزيد بن معاوية ثلاثة ايام على يد قائده ابن عقبه سميت بـ(ايام الحَرّة) لشراسة الحملة الوحشية التي شهدتها مدينة رسول الله ،وربما كانت الفترة الوحيدة التي استقرت الدولة الاسلامية (مؤقتا) في زمن بنو امية كانت بخلافة عمر بن عبدالعزيز .
“وتلك الايام نداولها بين الناس “..
ما اشبه الماضي بالحاضر ، وما اشبه أمثال معاوية ويزيد عندما جيء برأس سبط رسول الله (الحسين ) ترنم ببيت شعري وهو يعبث بقضيب بين ثنايا رأس السبط الطاهر :
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
ما اشبه المشهد اليوم ! يتكرر في اقطار المسلمين كالشام التي وطئها الداعشيون المندفعون باسم الدين وولاة امرهم! هذه فعلا الصورة التي ارادها امثال يزيد ان تتكرر ،وما كانت لولا توجيه دعاة الفتنة له ليصبغوا من سياستهم الجائرة الباطلة مسحت دينية فقيه ، فليت شعري كيف ننسف التاريخ وقد تشابهت الصور والالوان بدماء واشلاء المسلمين ولم يتعظ احد مما مضى؟!الصورة تتكرر بين مظاهر الجور والظلم باسم الدين وطاعة ولاة الامر ولو كانوا جائرين ،وتحريم القيام عليهم لدفع ظلمهم ،هكذا صنفوا طاعة الولي الجائر أنها من طاعة الله !!
وفي مقابل هذه الصورة القاتمة المصتبغة بالدماء ،تتشكل صورة المواجهة لهذا الاستبداد الذي خطه اهل الحق في عمان والعراق واليمن بقائدها الامام عبدالله بن يحيي الكندي وتتوالا قياداتها التي عرفت بالسير على خطى الرسول الاعظم ، وذكر سماحته قصص بعض هؤلاء واخلاقهم وعدالتهم حتى مع مخالفيهم ،كما كان لخطب قائدهم ابي حمزة الشاري اعظم قادة هذه الحركة ،الاثر الكبير في تبيان سياستهم المعتدلة وشرح مبادئهم بالإضافة لكونها خطب نموذجية للبلاغة العربية وفصاحة التعبير .وقد انصف العديد من علماء الفقه المعتدلين في الطوائف الاخرى الدور البارز الذي قام به ابي حمزة واصحابه كالعلاّمة عبد المعز عبد الستار من جمهورية مصر العربية والشيخ الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني وغيرهم كثير ممن استشهد سماحته برسائلهم وابحاثهم .
ان هذا الصورة ظهرت جلية في المشهد العماني المتسامح والمتماسك مع طوائفه حتى يومنا هذا وما للحركة التاريخية التي حملها العمانيون لرفع راية السلام في كل بقعة ينزلون بها من اثر واضح ، كما ان نظام الشورى والبيعة الذي اتبعه العمانيون طيلة قرون خلت تولد منه مناخ منسجم من الوئام والتآخي ، وقد ضرب الكاتب أجمل الامثلة عن التاريخ العماني وما حملته اسماء أئمة وقادة هذه الارض من عظيم الاعتدال والعدل كالإمام الجلندى بن مسعود والامام الخطاب المعافري والامام الوارث بن كعب وقائمة تطول بكثرة الاسماء التي خلدها تاريخ عمان الملهم.
وقد جسد حكم الامام الفذ الصلت بن مالك المشهد العماني البطولي والسمح عند اعادته لجزيرة سقطرى التي نهشها نصارى الحبشة بوصيته التي حملها قادته واسطوله المكون من مائة سفينة عبّ البحار لنصرة ابناء الجزيرة ، كان مما استشهد به الكاتب مقالة الدكتور محمد علي البار نشرة في العديد من الصحف داخل المملكة العربية السعودية ، والذي اعتبر الوصية (وثيقة من ارقى الوثائق في الشؤون الدولية وكيفية التعاطي والتعامل وقت الحروب مع الاصدقاء والاعداء ) وهو وقت يؤدي في معظم الحالات الى فقدان التوازن والتفكير العاطفي .
لماذا الدخول في المعترك التاريخي ؟
يوضح سماحته في نهاية كتابه انه ومع الثورات التي استفحلت في عدد من الدول العربية اقام بها البعض فتاويه من اهل الدين في محاولة لنصرة القيادات على الشعوب ،متناسين حتى ابسط حقوقها من المسيرات السلمية لأجل سواد عيون الرئيس! ومنهم للحصر الشيخ محمود لطفي عامر رئيس جمعية انصار السنة المحمدية الذي وصف الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك أنه (امير المؤمنين) مذكرا الشعب بأن التوريث الذي بدأه معاوية بن ابي سفيان لم يعترض عنه الصحابة !!
لاريب ان اعادة تدوير الفقه السياسي المستبد من قبل البعض هو امر مسلم به ممن استفحل المرض في جوفه حتى وان كان لا يتلاءم ورغبات الشعوب التي تطالب بأقل حقوقها المشروعة من العيش الكريم ،ولذلك فإن النتائج الواقعة على الارض امر كان لابد ان تظهر مع القهر الذي تعتاش عليه الشعوب العربية المتحولة، لكن الاشد قهرا ان تظل هذه الشعوب محصورة في دائرة الجهل التي يحركه اهل الفقه مستغلين قداسة الاسلام ومكانته لأجل نصرة الرؤساء المستبدين ،،فما الفرق اليوم بين معاوية والسيسي المترشح لرئاسة مصر في تحريك رموز الدين من المسلمين والاقباط بالله عليكم ؟ما الفرق؟؟!
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC