بعد أن حصلت الهند على استقلالها بفضل اسلوب “غاندي” الفريد من نوعه في مقاومة الإحتلال “فإستخدم الكفاح غير المسلح” , واستطاع هذا الرجل بسياسة اللاعنف وبأيدٍ عزلاء من دحر الجيش البريطاني وهو من أعتى جيوش العالم في ذلك الوقت ، بعد نجاح غاندي في هذا نشب عنف طائفي بين الهندوس والمسلمين ، وحدثت معارك طاحنة راح فيها الآلاف من الطرفين ، قرر غاندي الأب الروحي للبلاد الصوم حتى الموت لأنه حمّل نفسه مسؤولية هذه الحرب “على إعتبار إنه حرر البلاد قبل أن تكون مهيأة لذلك” , صام غاندي لكنه لم يصم في منزله أو معبد هندوسي ،بل إختار بيت صديقه المسلم في مدينة يسكنها المسلمين، وهذا درسه وسلاحه الأول والرائع في محاربة ذلك الخطر الذي يتجاوز خطر الاحتلال والاستعمار بكثير ، صام ولم يكفه توقف القتال في بعض المناطق بل أصرَّ على أن يستمر في ذلك حتى يمتنع آخر هندي عن قتل الاخر ، وحتى يطمئِن إن الجميع يتقبلون فكرة التعايش السلمي مع بعضهم ، في تلك الأثناء ، وفي خضم تلك الحرب الطاحنة زار رجل هندوسي غاندي ليخبره ، وقد كان الشعور بالذنب يقض مضجعة إنه قتل طفلا مسلما بتهشيم رأسه بالجدار، لأن المسلمين قتلوا عائلته ، وليسأله “ماذا يصنع للتكفير عن تلك الجريمة” ، فأخبره غاندي ، وقد أنهكه الجوع الى درجة الإعياء عليه أن يبحث عن طفل يتيم فقد عائلته بسبب الحرب الأهلية يربّيه في كنفه ويعامله كابنه ويعلمه كل تعاليم دينه لكنه فاجأه بقوله “إحرص على أن يكون ذلك الطفل مسلماً ،وأن تربيه على قيم الاسلام، وتعاليمه ليكون مسلماً صالحاً ” , لا أعتقد إن تلك الكلمات تحتاج إلى تعليق ،فهي كافية ووافية ، وأعتقد إن هذا درس كبير يجب أن يفهمه الجميع فلا يكفي أن نرفض العنف الطائفي ونستهجنه بل علينا أن نربي أنفسنا لنُحِبَّ الآخر ونتقبل آراءه كما هي لا كما نريد نحن ، دخلت دول كثيرة حروب اهلية وعرقية لكنها تعافت منها وتجاوزتها الى تقديم دروس عملية للأجيال ، فهذه الولايات المتحدة تقدم لنا درساً كبيراً في تقبل الآخر بل وتفضيله فرغم المآخذ الكثيرة على سياستها مع الآخرين لكن درسها الذي اُريد أن أتحدث عنه داخلي ، فتحولت من بلد يعامل المواطنين السود كمواطني درجة ثانية في القرن الماضي الى درجة أن يكون هناك مستشفى للبيض وآخر للزنوج و مدارس خاصة بالبيض واُخرى للزنوج وكتب مدرسية يتداولها الطلبة البيض غير تلك التي يتداولها الزنوج ، لتتحول تلك النظرة الدونية والعنصرية للزنوج الى نظرة متساوية بل وتفضيلية ليس في الشعارات فقط بل بإختيار رئيس من اُصول أفريقية ليحكمهم! ، حصل هذا بعد عدة عقود فأي درس هذا! , علينا إذن أن نتعلم من تلك الدروس الكبيرة لنتجاوز ماحصل في السنوات السود التي عصفت بالعراق ولنتعلم فن حب الآخر ولنبدأ “حين نتعامل معه” اولاً بالمشتركات التي تجمعنا ، المشتركات التي أولها الإنسانية ولا حدَ لها .
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC