اتصف القرن الماضي بثورة في المجال التقني غيرت حياتنا اليومية، انتبه فيها العلماء الى البعد التكنولوجي لاستعمال الشرائح في مختلف المجالات، جاء على اثرها اكتشاف تقنية النانو. إذ بمجرد معرفة اهمية البعد النانوي للتكنولوجيا، خصصت الدول والجامعات ومراكز البحث كل اهتماماتها، ووفرت المال والبشر لتطويرها وتوظيفها في مختلف المجالات,
من اهم تطبيقات النانو تكنولوجي, التطبيقات الطبية لارتباطها المباشر بصحة وحياة الانسان.
لكن ما هو النانو وماهي تقنيته؟
تمكن العلماء من تصنيع ادوات اصغر من سمك شعرة الانسان بثمانين الف مرة، وذلك بفضل تقنية النانو. يمثل النانومتر جزء من الف من المليون من المتر، نذكر ان سماكة شعرة الانسان الواحدة تبلغ خمسون ميكرو متر، اي خمسون الف نانو متر.
وتعرف تقنية النانو بدراسة التحكم بالمادة على مستوى الذري والجزيئي لتطوير مواد واجهزة صغيرة جدا في مجالات تقنية عديدة، مثل الالكترونيات وادوات الطب والبيئة. اذ سيكون بالامكان تغيير مركبات المادة ذرة بذرة، وبالتالي التحكم في جل خصائصها.
فبمجرد ان يصبح حجم جزيئ المادة داخل اطار مقياس النانو، فان خصائص المادة تتغير مثل الظواهر الكهروطيسية والبصرية، كما تتغير خاصية الانصهار لارتباطها المباشر بالحجم.
ويرى العلماء ان التطبيقات النانو ستشمل على المدى المتوسط والبعيد اغلب المجالات ( مكافحة التلوث تقنيات تنقية المياه وصناعة كمبيوتر صغير الحجم)، وكل ما يتعلق بالحياة اليومية للانسان، ومن اهم تطبيقات النانوتكنولوجي استعمالاتها في مجال الطب، وصناعة الادوية، لأنها تمثّل بالكثير، خاصة فيما يتعلق بالتشخيص الدقيق، والعلاج العالي الكفاءة ، اذ سيكون بالإمكان مواجهة الامراض المستعصية كالسرطان وفق هذه التقنية.
كما ستستفيد صناعة الادوية من صغر حجم جزيئيات النانو التي قد تقوم بايصال الدواء الى الخلية المصابة بدقة كبيرة، مما سيخفض الاعراض الجانبية للدواء. كما سيستفيد التصوير الطبي التشخيصي بالاشعة من هذه الخاصية لدقة التشخيص النانوي.
من اهم الاستعمالات الحديثة التي لاتزال قيد التجريب، امكانية ايصال جزيئات النانو الى الخلايا السرطانية، ثم تمركزها فيها، ومن ثم يتم تسخينها عن طريق تردد موجات معينة، مما يؤدي الى قتل هذه الخلايا دون غيرها، ودون الاضرار بالخلايا السليمة، عكس العلاج الاشعاعي والكميائي.
أما في الجراحة فينصب فكر الباحثين حول امكانية استخدام جسيمات النانو لبناء الانسجة الجلدية واعادتها، كما كانت حيث سيتمكن الجراحون من عمل لحام الاوعية الدموية بعد قطعها دون الحاجة للخياطة الجراحية المعتادة
تعتبر الجراحة اهم تطبيقات النانو المحتملة في حال نجاح تجربة هندسة الانسجة عن طريق تحفيز تكاثر او اصلاح الانسجة المريضة، وقد يؤدي الى اعادة النظر في جراحة زراعة الاعضاء. وتعقد اكبر الآمال الطبية على ايجاد روبوتات صغيرة بمقياس النانو لمعالجة الجلطات الدماغية عن طريق ضخ هذه الروبوتات داخل الاوعية لتقوم بفك انسداد الجلطة. تمتد قائمة التطبيقات التي تراود الاطباء لتشمل علاج التسمم البكتيري، والفشل التنفسي، والامراض الوراثية، من خلال استبدال الكروموسومات المعيبة عن طريق الروبوتات يوما ما.
لتقنية النانو اسهامات كبيرة في تحسين الحياة اليومية للإنسان، وتوفير سبل الراحة والرفاهية، لكن يخشى العلماء من ان يفلت زمام التحكم بالمادة على هذا المستوى الدقيق المتناهي في الصغر. حيث تكمن صعوبة تقنية النانو في مدى إمكانية السيطرة على الذرات بعد تجزئة المواد المتكونة منها. وهي تحتاج بالتالي إلى أجهزة دقيقة جدا من جهة حجمها ومقاييسها، وطرق رؤية الجزيئات تحتاج لفحص دقيق. كما أن صعوبة التوصل إلى قياس دقيق عند مستوى الذرة يطرح صعوبة أخرى تواجه هذا العلم الجديد الناشئ. هذا وما مايزال هناك جدل ومخاوف من تأثيرات تقنية النانو، وضرورة ضبطه.
*مختص في الابحاث السريرية والوبائية والامراض المتنقلة للإنسان عن طريق الحيوان
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC