ما زاد من حماسي لكتابة هذا الموضوع الأحداث المشابهة التي توالت على المجتمع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، (حادثة فريق سمائل للدراجات الهوائية، حادثة حفلة نانسي عجرم، حادثة وزارة الأسكان والمغربيات، حادثة الأخت العُمانية نعيمة، حادثة وزير المالية والعساكر،وكتاب الملح، أحداث م، 2011م، رمال بوشر،ألخ…)وغيرها كثير جداً.
وهنا أطرح هذا المقال بطريقة علمية لدراسة (نفسية المواطن العُماني) من خلال هذه الأحداث، معتقدة أن هذه المواضيع تستحق الدراسة، وأنها مادة دسمة لإطلاعنا على بعض التنبؤات المستقبلية للشعب العُماني.
وعلينا في البداية الاقتناع بأن (العوامل النفسية والمتغيرات التي تصيبها؛لها أثر بارز في تطور حياة الشعوب)، وقد يعتقد البعض أن هذا الكلام كبير جداً، بالنسبة للمواضيع التي تم تداولها، ولكنها الحقيقة التي علينا أن ندرسها بعناية فائقة، لأن مثل هذه المواضيع (تمنح الجميع قوة نفسية تجعل الكل في مزاج نفسي متجانس وثابت)، بل أنها تتعدى ذلك لتصل إلى (شبكة من المشاعر والأفكار والتقاليد والمعتقدات الموروثة التي تجعل التآلف بين روح الأفراد يـشكل توجهاً معيناً متفق عليه؛ في الشكل والمضمون).
فالناظر في هذه المواضيع (التي انتشرت) يجد بأن الرابط بينها هو اتفاق غالبية فئات المجتمع على توجه واحد، فعلى سبيل المثال أتفق أكثر المواطنين على رفض موضوع (فريق سمائل للدراجات الهوائية)، والحال نفسه في موضوع (حفلة نانسي عجرم)، كما أتفق الكثير من أبناء المجتمع في موضوع (كتاب الملح) حتى أن السلطات قامت بمنعه وسحبه من السوق، والحال نفسه في موضوع منع حفلة الجامعة، ومنع إقامة مهرجان ليليِ في أحد الفنادق، كما أن موضوع الأخت الفاضلة (نعيمة) وجد صدى يكاد يكون فيه صوت المواطنين واحد، وكأنهم متفقين بالأغلبية على رفضه، والحال من بعضه في موضوع كلمة وزير المالية التي وصف فيها منتسبي القوات المسلحة بكلمة (العساكر).
كما شاهدنا جميعا ما حدث في عام 2011م، حيث تفاعل الكثير من أبناء المجتمع مع الأحداث، فهناك (من بكى واستبكى)، من خلال حديثه للجماهير، التي (تجمهرت) في بعض ولايات السلطنة.
والسؤال هنا: مالذي يجعل المجتمع يتفق على رأي واحد في مثل هذه المواضيع، يرفضها أو يتقبلها؟، ليصل الحد إلى أن بعض الجهات الرسمية والغير رسمية تتخذ إجراءات رسمية لهذه المواضيع؟!!.
– في الحقيقة هناك عدة روابط ولكن أبرزها وأهمها على الإطلاق هي:
1.(العامل أو الرابط الديني)، فمن خلال متابعتي لهذه المواضيع أجد أن المجتمع العُماني (مُلتزم) بتعاليم الإسلام الصحيحة، إلا أنه في بعض الحالات تأخذه العاطفة إلى المبالغة في هذا الالتزام.
2.(إرث العادات والتقاليد)،فعلى الرغم من الإدعاءات لدى البعض بأن المجتمع العُماني تخلص بعض العادات والتقاليد التي ورثها عن الأجداد والآباء، والتي يعتقد البعض بأنها سلبية، أو كما يزعم آخرين بأن المجتمع أصبح أكثر انفتاحا، ولم تُعد بعض العادات تقيده وتوجهه، فما أظهرته دراستي للموضوع أثبت العكس، بأن الإرث التاريخي لهذه العادات والتقاليد مازالت موجودة في المجتمع.
3.(العاطفة)، أن المجتمع العُماني عاطفيًا وحساسا، وهذا ما تؤكده شهرتهم بأنهم مجتمع (متسامح، وطيب)، فهم على الرغم من تمسكهم بإرثهم الديني والتاريخي؛ إلا أنهم لا يتشددون التشدد المزعج الذي يؤذي الأخر، بل تجدهم عاطفيين في التعامل مع بعضهم البعض، لدرجة تصل بهم إلى التسامح مع الجميع، فغضبهم محدود، وتشنجهم مؤقت، وهذا مستمد من مضمون الإسلام نفسه الذي يدعوا إلى الرحمة والعطف والتسامح، ونبذ العنف والتطرف،وهذا ما تشير إليه أيضًا الدراسات العلمية، فقد نشرت “الواشنطن بوست” عن أكثر الشعوب عاطفية، وقد جاءت السلطنة ضمن الدول الأكثر حساسية وعاطفية، كما أن هناك حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً ، وَأَلْيَنُ قُلُوبًا)، والمعروف تاريخيا أن أهل عُمان زحفوا إلى أرضهم بعد إنهيار سد مآرب في اليمن، وكان يتزعمهم يومها (مالك من بهم الأزدي)، بحسب الروايات التاريخية، كما أن أهل عُمان تاريخيا دخلوا الإسلام بلا حرب.
4.(الأنظمة الحاكمة)، على مر العصور تعاقبت على عُمان أنظمة عُرفت بالإنصاف، وساهمت في المحافظة على تغذية المجتمع بالعاطفة الحميدة، التي امتزجت مع تعاليم الإسلام الحنيف، إلا ما ندر في بعض الحالات الاستثنائية.
الخلاصة:
على ما يبدو أن الشعب العُماني تأثر كثيرا بحضارته التاريخية، فكما نعرف أن عُمان مرت بعصور كانت فيها قوة حضارية عظمى، وكان فيها الإسلام يطبق بشكل جيد، فلم تشهد السلطنة مراحل تعصب، أو تشدد، وفي كتاب:(موسوعة عُمان،الوثائق السرية، إعداد وترجمة: محمد بن عبد الله بن حمد الحارثي)، توجد بعض المراسلات التي تشير إلى تعاطف العُمانيين مع بعضهم البعض من جهة، ومع العُمانيين والشعوب الأخرى من جهة أخرى، فإن كان الشعب العُماني عاطفيًا في تعامله مع بعض المواضيع، إلا أن ما يظهر على السطح أن المجتمع العُماني ملتزمًا ومتصالحًا مع نفسه، ولا توجد مؤشرات تشير إلى أن هذه الحوادث ستعود بأثار سلبية على المجتمع، بل أنها قوة مستمدة من تاريخ عميق، وجينات متوارثة، ودِين ينبض بالحُب والتسامح والعطف والرحمة، ولهذا فإن هذه (الحساسية) التي تنبض بشكل أكثر من المُعتاد بين الحين والأخر على مواضيع (دينية، أو سياسية، أو اجتماعية)، ما هي إلا (حساسية ايجابية)، وهذا ما أثبتته الأحداث على مر العصور والأيام.
الدكتورة/ فاطمة بنت عبدالله.