“المغنية الصلعاء”
أقدم مسرحية عالمية تقدم على خشبة مسرح في الحي اللاتيني
باريس/ الطيب ولد العروسي
خلدت مسرحيتا “الصلعاء و “التلميذ والدرس” مؤلفهما أوجين أونيسكو، لأنهما لا زالتا مبرمجتين حتى يوم الناس بقاعة “لا هوشيت” الكائنة بالحي اللاتيني، على مقربة من محطة ميطرو السانت ميشال بباريس. تتألف مساحة هذه القاعة من 130 مترا مربعا، وتحتوي على 90 كرسيا، أما مكان العرض فيحتوي على أربعة أمتار، وعرضه 4 أمتار، وعمقه 5 أمتار· وعلى المهتم بمتابعة العرض المسرحي حجز مقعده مسبقا بأيام.
تجدر الإشارة إلى أن أوجين أونيسكو ألف هذه المسرحية عام 1951، وبرمجت بمسرح نوكتامبول Noctambules بضواحي باريس عشرين مرة، لكنها وجدت نقدا لاذعا من الأوساط المسرحية، ولاقت صدى محدودا، مما تركها تبعد عن الأضواء إلى غاية شهر فيفري سنة 1957، حينما قدمت في مسرح لاهوشات La Hachette بالحي اللاتيني، وجدت إقبالا كبيرا، ولا زالت مستمرة إلى يوم الناس، حبث تجاوز عدد عرضها 20 ألف مرة.
تعامل النقاد مع هذ المسرحية بشكل ايجابي شجع مسؤولي القاعة على مواصلة برمجتها، حتى غدت أقدم مسرحية تقدم على الخشبة في تاريخ المسرح العالمي، وهي تحتل الصدارة صحبة مسرحية “الدرس والتلميذ” لنفس المؤلف وهما مبرمجتان في نفس القاعة.
توفي الكثير من الممثلين الذين بدؤوا هذه المغامرة، وعوّضوا بممثلين آخرين.
ولد أوجين يونيسكو في رومانيا سنة 1909 ، وهاجر إلى باريس، ثم حصل على الجنسية الفرنسية سنة 1945، والتحق بالأكاديمية الفرنسية سنة 1971 ومكث فيها حتى وفاته عام 1994 عن عمر يناهز 84 سنة.
ولد والحرب العالمية الأولى على أوجها، كما عاش طلاق والده لوالدته، مما تركه يعلن حربا على والده، عايش الحرب العالمية الثانية، كما عرف الجوع والحرمان ومر بضائقة مالية كبيرة، كل هذه الظروف دفعت به إلى رؤية العالم بسخرية لا ذعة، واجتناب معالجة الأمور بشكل واقعي أو منطقي، مما تركه يخرج عن التقاليد المسرحية التي كانت ممارسة آنذاك، ليأتي بمسرح جديد، أطلق عليه مسرح العبث·
عندما نشاهد المسرحية، نحاول أن نربط عنوانها بالمحتوي، أو نلتمس محتواها، لكن المؤلف يدخلنا في متاهات ويخرجنا دون ربط بين الفصول، وهي إحدى غايات أونيسكو، الذي يتركنا نتساءل عن الغاية أو الهدف من عنوان ومحتوى المسرحية الذي ما هو إلا تعبيرعن عبثية الإنسان، هذا العبث الذي اقتنع به مؤلف المسرحية التي فرضت نفسها أكثر من نصف قرن من الزمن ولا زالت مستمرة.
هل حلل المؤلف الظواهر المتطرق إليها منطلقا من الفراغ الديني والروحي، أم من معطيات الواقع الأليمة الآخرى؟ على كل هذا ما نستخلصه من حياة العبث هذه التي لا معنى لها، خاصة، عندما يبتلي الإنسان بعصاب الكلام في أمور غير منسجمة، وليست ذات دلالة كبيرة، وخاصة عندما يعطي أعيان القوم لهذه الاهتمامات تلك الأهمية الفارغة من أي محتوى إنساني تدركه الحواس والعقل.
يتطرق موضوع لمسرحية إلى زوجين ممسنين ، وعلى رغم حياتهما الطويلة معا، إلى أنهما يهلان بعضهما ، ويعجزان عن التواصل ، مما يرجع الأشياء البديهية اليومية تغدو غير مؤكدة ويحتويها الشك ، ويعود الناس غير متيقنين من هويتهم وأهمية وجودهم . لذا فإن المغنية الصلعاء هي محاكاة ساخرة لحوارتهم وصمتهم ، وهي تصف “لما يسمى بالوضع الدرامي في حياتنا ، ولعجزنا عن الصمت . “، كما يؤكد على ذلك أوجين أونيسكو.