ليس مستغربًا هذا التحول الدراماتيكي للوضع في (العراق وسوريا) وسقوط مدن كاملة في قبضة الجماعات المسلحة. وعلى الجانب الآخر يتم الترويج إعلاميًا (ترهيبًا، وترغيبًا) لطموحات هذه الجماعات (داعش أنموذجًا) في التوسَع جغرافيا على خارطة العالم وصولا إلى الكويت في المرحلة الأولى من (تمكينها) تمهيدا لإعلان قيام (دولة الخلافة الإسلامية).. لكن دراسة تاريخ هذه الجماعات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها مجرد ورقة صهيونية جديدة بأفول نجم (تنظيم القاعدة)، و(إغلاق صفحته).
ومن ثَمَّ بدأ التحضير للاعب جديد في المشهد العربي تمّ التحضير له واستنساخه في معامل ومختبرات منظمات ومراكز دراسات استخبارية وتحت مسميات عديدة كان آخرها ما يعرف بمصطلح (الحرب الرابعة) وازدادت وتيرة التحضير والتنفيذ لمخططات تقسيم المنطقة العربية مع صعود نجم أحزاب وتيارات (الإسلام السياسي) في الدول العربية التي شهدت أنظمتها السياسية هزات عنيفة وانتفاضات شعبية بلا رأس، و(ثورات كاذبة)، (خريفًا مزيّفًا)
وفي إطار (نظرية المؤامرة) من جانب وترهّل (التضامن العربي) من جانب آخر تسعى قوى خارجية ومنظمات دولية وأجهزة استخبارية على علاقة بالصهيونية العالمية إلى استيلاد ما يسمى بـ(الشرق الأوسط الجديد) والذي بدأ التحضير له مع ميلاد الألفية الثالثة وفي إطار سياسة (اللعب على المكشوف) نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية، عام 2013 خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط تظهر تقسيم 5 دول عربية إلى 14 دولة صغيرة، وركز التقسيم الذي قدَّمه المحلل الاستراتيجي (روبرت رايت) عبر الصحيفة، على سورية.
وحيث إن الحرب المدمرة في سورية، تشكل نقطة تحول فقد ارتأى أصحاب نظرية (الشرق الأوسط الجديد) تقسيمها إلى 3 دويلات: (دولة علوية) تتكون من أقلية سيطرت على سورية لعقود وتحتل الشريط الساحلي. والدويلة الثانية هي (كردستان السورية) التي بإمكانها الانفصال والاندماج مع أكراد العراق في نهاية المطاف، أما الدولة الثالثة فهي (دولة سُنية) بإمكانها الانفصال ومن ثم الاتحاد مع محافظات العراق. كما رأي (رايت) الذي أعدّ هذا التقسيم، أن (رسم خريطة مختلفة سيكون تغييرًا استراتيجيًا في اللعبة للجميع، ومن المحتمل أن يكون التقسيم الجديد هو إعادة تشكيل التحالفات والتحديات الأمنية وتدفق التجارة والطاقة لجزء كبير من العالم). ورأى المحلل الأمريكي بأن التفتت وسلسلة الانقسامات الناجمة عن النزاعات والخلافات الإثنية والطائفية سيعيد رسم خريطة الشرق الأوسط من جديد في صورة أكثر مأساوية منذ معاهدة (سايكس بيكو) عام 1916.
*ربيع الفوضى الخلاقة*
بدأت حكاية (الفوضى الخلاقة)، وقصة (الشرق الأوسط الجديد) تقريبًا منذ عقدين وربّما زلة لسان خرجت قبل أوانها من فم جورج شولتز وزير الخارجية الأميركية الأسبق وتحديدًا إبّان الغزو العراقي للكويت عندما قال: [إن منطقة الشرق الأوسط ستشهد زلازلا وتحولات على مثال ما حدث في أوروبا الشرقية، وهي تحولات ستكون بديلا لـ(الأفكار البالية) التي حكمت المنطقة عقودا أو قرونا]. وفي هذه الآونة لم يكشف شولتز عن الآلية والوسائل التي سيتم اعتمادها لزلزلة الشرق الأوسط وتقسيمها، والحقيقة أن مهندسي المؤامرة استدعوا من دهاليز التاريخ مصطلح (الفوضى الخلاقة) الذي أطلقه المؤرخ الأمريكي تاير ماهان عام 1902م وأعاد مايكل ليدين تأصيله عام 2003 وأسماه «الفوضى البنَّاءة» أو «التدمير البنَّاء»، ويقوم على خطوتين (الأولى تتمثل في هدم الممالك والدول القديمة وإعادة تقسيمها وبنائها طبقًا للمخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة، ويبدو جليا أن المشروع الأميركي من أجل تفتيت المنطقة ما زال ساري المفعول، وإن التضامن العربي غير مسموح به، وإن ذر الرماد في العيون عبر التطرف المذهبي والعرقي هو من أسس المؤامرات الصهيونية، وإن الاستراتيجيات الاستعمارية الجديدة المبنية على هذه الأسس، هي التي تتفاعل في العراق، وقبلها في سورية وحاليا في لبنان عبر أحداث الفراغ في موقع الرئاسة اللبنانية، هذه الفوضى الخلاقة التي ما زالت تدمر وتشيع الفوضى في بلاد الشام ، من هنا فإن الحرب الناعمة التي تخاض اليوم بأشكالها المختلفة، وأولها عملية غض النظر عن اجتثاث الارهاب في كل من سورية والعراق ولبنان هو الخطر المستقبلي الرهيب والمرعب في آن.
*العقيدة التكفيرية*
وطالما تشير العديد من الدراسات وآراء المحللين الاستراتيجيين أن الجماعات الإرهابية مجرد لعبة وأداة في أيدي منظمات تآمرية وتنطلق في تحقيق أهدافها من رؤية ضحلة وتكفيرية للعالم فإن من أبجديات البحث عن حلول واقعية لدحرها والخلاص منها تبدأ من توليد الأسئلة وقبل أن نسأل عن ماهية داعش أو غيرها من المنظمات الإرهابية (ومَنْ هم)؟ يجب أن نسأل أولا من أين يأتي تمويل هذه الجماعات؟ ومن هم الداعمون الحقيقيون والرعاة الأساسيون لهذه العصابات المتطرفة؟ ومَنْ الذي زوَّدهم بالسلاح المتطور؟ وكيف لحامية الموصل من الجيش العراقي المجهز تجهيزاً كاملاً من الأميركيين ألا تصمد في وجه عصابات إرهابية مثل داعش، وهل مشاهد اجتياح المدن والقرى على أيدي داعش ومن على شاكلتها يعيد إلى الذاكرة يوميات سقوط بغداد وذوبان الجيش العراقي وتبخره عند وصول قوات التحالف إلى بوابات بغداد عام 2003؟
ثم يأتي السؤال الثالث وهو سؤال كشفي عن العقيدة الفكرية والتنظيمية والدينية والتي تؤسس عليها الأفعال وبمحاولة المطابقة بين (عقيدة وأفكار داعش) و(أفعالها) تبيّن أنّ الأفعال الشنيعة التي تمارسها داعش وأخواتها مؤسسة فكرياً على أن (الآخر ) أي (غير المسلم، أو غير السُّني) مجرد كافر، يجوز قتله وقطع رأسه والنزو على زوجته، وذبح أطفاله وسلب أمواله، تحت بند (جرائم الحرب والإبادة الجماعية) ومن ثَمَّ كان إغراء البحث وراء داعش كاشفًا عن الخطوط العريضة لأصول العقيدة وقد تبيّن أنهم سطروا (تسعة عشر أصلا) جعلوها (منهاجًا) لهم يكفرون فيها الكثير من أهل القبلة، ويكفرون كل من احتكم إلى القوانين الوضعية أو الأعراف العشائرية، ويؤمنون بأن العلمانية على اختلاف راياتها وتنوع مذاهبها كالقومية والوطنية والبعثية هي كفر بواح مخرج من الملة ويرون الجهاد فرض عين على كل مسلم منذ سقوط الأندلس، ويقولون بوجوب قتال الجيش والشرطة وكل مسمياتها وهدم كل بناء تستغله الأجهزة الحكومية وتحريم التلفاز والفنون والآداب.، وسموا أنفسهم (داعش) اختصارا لجملة (دولة الإسلام في العراق والشام)؛ وهو في الحقيقة تنظيم مسلح إرهابي يتبنى الفكر السلفي الجهادي (التكفيري) ويهدف المنضمون إليه إلى تحقيق حلم “الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة”، واتخذوا من العراق وسوريا مسرحا لعملياته (وجرائمه).وهو تنظيم جهادي يضمّ عناصر من جنسيات مختلفة يقاتل النظام السوري ومقاتلي المعارضة حلفاء الأمس الذين استاؤوا من تجاوزاته. عقيدة داعش التكفيريةإلا أن أفعال هذه الجماعة الشنيعة مؤسسة فكرياً على أن الآخر مجرد كافر، يجوز قتله وقطع رأسه والنزو على زوجته، وذبح أطفاله وسلب أمواله.وقد سطروا تسعة عشر أصلا من أصول العقيدة عندهم يكفرون فيها الكثير من اهل القبلة… ويكفرون كل من احتكم الى القوانين الوضعية او الأعراف العشائرية وفي الفقرة ويقولون : ونؤمن ان العلمانية على اختلاف راياتها وتنوع مذاهبها كالقومية والوطنية والبعثية هي كفر بواح مخرج من الملة ويرون الجهاد فرض عين على كل فرد من سقوط الأندلس … ويقولون بوجوب قتال الجيش والشرطة وكل مسمياتها وهدم كل بناء تستغله الأجهزة الحكومية وتحريم التلفاز والفنون والآدابعقيدة داعش التكفيريةإلا أن أفعال هذه الجماعة الشنيعة مؤسسة فكرياً على أن الآخر مجرد كافر، يجوز قتله وقطع رأسه والنزو على زوجته، وذبح أطفاله وسلب أمواله.وقد سطروا تسعة عشر أصلا من أصول العقيدة عندهم يكفرون فيها الكثير من اهل القبلة… ويكفرون كل من احتكم الى القوانين الوضعية او الأعراف العشائرية وفي الفقرة ويقولون : ونؤمن ان العلمانية على اختلاف راياتها وتنوع مذاهبها كالقومية والوطنية والبعثية هي كفر بواح مخرج من الملة ويرون الجهاد فرض عين على كل فرد من سقوط الأندلس … ويقولون بوجوب قتال الجيش والشرطة وكل مسمياتها وهدم كل بناء تستغله الأجهزة الحكومية وتحريم التلفاز والفنون والآداب
*الحلّ في العدالة الانتقالية*
بعد أن نجح تنظيم (داعش) صنيعة الصهيونية العالمية في استغلال الاضطرابات في سوريا وضعف السلطة المركزية في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية، ليقتطع أرضا جعل منها قاعدة له وكثف من عملياته إلى أن أصبح واحدا من أقوى التنظيمات في الساحة العراقية وبدأ يبسط نفوذه على مناطق واسعة من العراق ومازالت كرة الثلج تتدحرج وتكْبُر ونحتاج إلى وسائل سريعة وناجعة وقاطعة للحد من تفاقمها، وعليه فإن دول (الربيع العربي) وفي مقدمتها العراق وسوريا مطالبة الآن وقبل فوات الأوان بصياغة استراتيجية واضحة المعالم لـ(عدالة انتقالية) تعيد الحقوق إلى أهلها وتخرج الممارسات الظلامية التي ارتكبت أبان الحكم الدكتاتوري إلى حيز الوجود الجمعي، الأمر الذي سيشكل بدوره صمام الأمان لعدم تكرارها في المستقبل. وأبرز عناصر العدالة الانتقالية المبتغاة:
1) القيام بمصالحة وطنية، وسياسية لابد وأن يسبقها توافق سياسي أو اتفاق سياسي ونتفق علي السوابق الوطنية فلكي يكون هناك مصالحة تبدأ مصالحة ثم محاسبة ثم مصالحة.
2) جبر الضرر، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن نواحٍ رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى).
3) إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
4) لجان الحقيقة أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
5) المحاسبة والقصاص من الأشخاص الذين انتهكوا حقوق الإنسان في النظام السابق.
6) الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC