الشعريّة الجديدة نحو صوت آخر
حسن مجّاد – أكاديميّ من العراق
منذ هوميروس وصولاً إلى أبي تمام ، و منذ لزوميات المعريّ عبوراً نحو مقبرة بول فاليري الساحرة ، ولا أريد أن أستذكر هنا مالارميه، أو شاتوبريان، ورامبو وريلكه! ظل الشعرُ سؤالاً في المعرفة وفي تأمل الوجود وخبرة الحياة !
أقولُ منذ أن أدرك الانسان بحدة وعيه مصيرَه ، وأفولَ بني جنسه ، وأدرك بلحظة المكاشفة أو لذة الخوف ورهبة الأسئلة أنَّ الكلمة ليست تعويضاً عن كبت سيكولوجي بالتعبير الفرويديّ، كما أنها ليست انعكاساً لخفايا الواقع ومضمراته ، بل هي لغة أخرى يدرك بها الإنسان إنسانيته ويسعى نحو خلق أشكال متجددة تنسجم وما يهدد مصيره وخرابه ، أعني خراب الروح والجسد.
ظلَّ رهان الكلمة عصيّاً على محاولات الموت وعطب الذاكرة ، وظلت القصيدة نشيداً للخلاص الإنساني من سطوة الواقع وشراسة الوجود، وظل الشاعر الحقيقي الحقيقي يقدّم عبر رؤياه ومشروعه واجتهاداته ، ومبتكراته مسافة أخرى في فهم ما جرى ، وإلا فإنَّ الشعراء كثر، ومن يزاول قرض القصيدة من مات منهم ومن بقى يلوك العبارة دون أن يعي لبها ، أقول ظل هو الآخر يعتقد بمجانية الاستعارة وفذلكة الموسيقى، فأنتجت النصوص الكثيرة ، ولم يتخلق منها الصوت المائز عن الأصوات الأخرى
نعم، القصيدة عصيّة على التصنيف، ونعم، القصيدة عصيّة على التعريف، ولكن الجامع الذي يمكن لنا أن نلوذ به هو أن القصيدة ليست تمريناً لغوياً ولعباً لفظياً ، وتقليدية لأصوات أخرى .
مرت الشعريّة العربيّة بمناخات كبرى ومتغيرات عميقة على مستوى التكنيك والمعالجة الشعريّة والرؤية للعالم، ولم تعد مجرد بوح عاطفي أو رومانطيقيّة رثة يشوبها شحوب الخيال ونضوب العاطفة، وعطل الذاكرة .
أمامي مجموعة من التجارب الشعريّة لشعراء مختلفين بيئة وتنوعاً في المصادر والينابيع، ولكنها تفتقر بمجملها إلى نبذ الصوت المجاور وخلق الصوت الجاد، إذ وقعت هذه التجارب في بحة أصوات شعرية، ولم تمتلك صوتها، وقع بعضها في رومانتكيّة ذاتية مفرطة وولع في اللعب اللفظيّ ، والآخر ظلّ في خيمة الاستعارات الدرويشيّة ( محمود درويش ) وسنتحدث عنها في الأيام المقبلة كل على حدة مع ظهور نتائج الفرز الأول لجائزة أثير الشعرية.