أسال موضوع الديمقراطية مدادا كثيرا وطرح نقاشات فكرية وسياسية وفلسفية مختلفة على مرّ العصور وفي اختصاصات معرفيّة متعدّدة، لكن أغلب التيارات والمدارس الفكرية تتفق على أن الديمقراطية ترتكز بشكل أساس على مبدأ سيادة الشعب، ما يعني اعتبارالشعب سيّد نفسه يتمتّع بكيان معنويّ مستقلّ عن نزوات ومصالح الأفراد ولا أحد يمارس السلطات عليه وبديلا عنه، بمعنى يمارسها عن طريق ممثليه في مختلف الهيئات والمؤسسات التي ترعى الفعل الديمقراطي وتشجع كلّ من يدافع عن الحق في الممارسة المدنيّة و السياسيّة اليومية، مراعية في ذلك مصلحة الأغلبية وصون حقوق الأقليات والحفاظ عليها . لذا زكّت الامم المتحدة الديمقراطية لكونها من الاسس الثابتة التي تقوم عليها حقوق الانسان، وذلك بالحثّ على أن تكون الانتخابات شفّافة ونزيهة يشارك فيها سائر الأفراد بغض النظر عن عرقهم او منزلتهم الاقتصادية والاجتماعية “او جنسهم و على تحقيق المساواة بين الجميع في الحقوق مثل حق التعبير عن الرأي بكلّ حرّية”.
كما سعت إلى ضمان حرية الانتماء إلى الأحزاب السياسية وتشكيل البرلمانات الممثّلة للشعوب، وفصل السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة عن بعضها البعض، والحق في ترشح المواطن للانتخابات المختلفة، لأنها من الأسس التي تبنى عليها الدول الحديثة والتي تتمثّل في “تلبية حاجات الشعب ورغباته بما لا يتعارض مع مصلحة البلاد “، ما يعني تحقيق كرامة الإنسان و حرّيته، بالسهر على تطبيق القوانين ومراعاة المصلحة العامة .
إذا انطلقنا من هذه المعطيات النظريّة ونظرنا في مدى تطبيقها في العالم العربي، لوجدنا أنّ الديمقراطية في أغلب الأحيان تستعمل للوصول إلى السلطة، وتوظّف لخدمة حاشية المقربين من الحكّام، وآخر شيء يؤخذ بعين الاعتبار هو مصلحة المواطنين والمواطنات، لكون النية التي تدفع بهؤلاء وأولئك لتبوء مناصب مهمة في الدولة هي المنفعة الشخصية، وليست المنفعة العامة كما تنصّ على ذلك أبجديات الديمقراطية.
أما إذا عدنا إلى الانتخابات في العالم العربي، فهنا تكمن الكارثة الكبرى، لأن المترشحين للسلطة، أي لإدارة الدولة، يستعملون أو يوظفون الديمقراطية من أجل الفوز بالكرسي، مزورين الانتخابات، و منتهجين الإقصاء لكل خصم سياسي ممثل في أحزاب أو شخصيات وجدت قبولا جماهيريا يمكنها أن تمثل “خطورة” عليهم، مستعملين كل الحيل من أجل الذود عن مصالحهم و التشبّث بكراسيهم ، أي أن الديمقراطية في المنطقة العربية أصبحت وسيلة للوصول إلى الحكم، وليست أسلوبا في الحكم. هذا هو الأمر الثابت. لذلك فما تزال السياسة تقتصر على العملية الانتخابية الشكليّة دون توفير الظروف الملائمة لنزاهتها وديموقراطيتها ، بحيث يقدّم المرشحون أنفسهم في الغالب دون برامج سياسية ، ما جعل الشعوب العربيّة تنفر الانتخابات، ولم تعد تكترث بمن يتولّى السلطة مادامت نتائجها معروفة مسبقا ، وصعود عمرو أو زيد لن يغيّر شيئا من حالها وتردّي أوضاعها المعيشيّة، لأنّه في الغالب يكونان من طينة واحدة ووجهان لشخصيّة واحدة حتّى و إنْ بدا وكأنّهما مختلفان بل متضادان أشدّ التضاد . علاوة على ذلك أنّ الانتخابات ذاتها التي وُصفت بالنزيهة في بعض البلدان العربية، لم تغيّر من حال الشعوب شيئا ، لأنها ظلّت ترزح تحت وطأة الحرمان و البؤس والحيرة، فالمطلوب من الديموقراطيّة أو من المنادين بها هو العمل على استقرار البلد، ومنح الكرامة لمواطنيها، وتجنب كل التمزقات الاجتماعية المحتملة، وأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC