فضاءات

الحلقة الحادية عشرة القسم الأول: التطرف الديني

الحلقة الحادية عشرة القسم الأول: التطرف الديني
الحلقة الحادية عشرة القسم الأول: التطرف الديني الحلقة الحادية عشرة القسم الأول: التطرف الديني

يكتبها : بدر العبري

تعاني المجتمعات الشّرقيّة وخاصّة العربيّة من تطرف دينيّ ناتج من موروث سابق أدخل إلى الفكر كدين، هذا التراث إما ذاته تحول إلى نص نسبة إلى الرسول الأكرم أو إلى دائرة السلف، وإما تفسير لنص أصبح مهيمنا على النص نفسه.

ونحن لا ننكر أهمية التراث ولكن في الوقت نفسه علينا أن ندرك أنّ هذا التراث صنعته أيدي بشر، وليس وحيا من الله تعالى، كما نحن اليوم نصنع أفكارنا والتي ستتحول بعد أجيال بعدنا إلى تراث، وليس ما نكتبه اليوم وحيا يوحى إلينا، بل وحيا توحيه نفوسنا ليتحول إلى سطور وكلمات وأحرف متراكبة، تسقط ما في الذهن من كلام، وتقرب ما في الخاطر من خيال.

مشكلة الجيل المتدين أنه يجعل من التراث برمته هو الإسلام أو الدين ككل، ومنه يستقى الدين، فترى هذا يكفر ويلعن ذاك لنصوص تراثية عنده، أو يقدح على الآخر لاعتبارات الكتب التراثية عند الآخر.

نحن نقول هذا وفي الوقت نفسه لا ننكر ما في التراث من خير ولكن في الوقت نفسه علينا أن ننزلها كمصادر بشرية خاضعة للزمان والمكان من جهة، وقابلة للنقد من جهة أخرى.

وبهذا نرجع إلى المصدر الأول وهو القرآن الكريم الذي جعله الله تعالى مهيمنا ومصدقا على ما عداه، وفتح للعقل والتفكر والسير والبحث والنظر والتطبيق مجالا واسعا، وفضاء كبيرا.

إنّ الجيل الجديد بحاجة ماسة إلى إدراك سعة الدين، وسعة التفكير والنظر، وإشغاله بالواقع لا بالماضي، وبالحياة لا بالقتل والموت، وبالبناء لا بالهدم، وبالمحبة لا بالكراهية والبغضاء.

وتعود أهم مشاكل التطرف الديني في الجملة إلى غياب القيم القارئة لهذا الموروث والنّاقدة له، وفي الوقت نفسه يعود إلى قراءة القيم ذاتها قراءة استعلائيّة فردية أو مذهبيّة، مع أنّ الله تعالى نهى عن تزكية الذّات واستعلائها: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى.

والاعتدال عند الناس هو الأصل، والتطرف الديني نشاز، أكبر أسبابه المتدينون الذي يتربون في الكليات والجامعات والحوزات والمدارس الدينية، خاصة التقليدية، ولو اقتصر الأمر عند الخلاف العلمي والبحث المنهجي في هذه المدارس لهان، ولكن – للأسف – أن تستغل منابر المساجد، والقنوات في إشعال هذا الفتيل، وإدخال العامة في هذا الصراع، مما ولد ما نراه من ردة عن الدين من جهة، وغلو في التعصب والذي يصل إلى الهجر واللعن وإراقة الدم من جهة أخرى، فاستغل الشيطان هذا الخلاف الواسع في نشر عدوانيته، وإثارة البغضاء بين الناس باسم الدين والإسلام!!!!

أنّ يتشيع ألف، أو يتسنن ألفان، أو يتبيض – إن صح التعبير – ثلاثة، أهون عند الله من إراقة الدم، وتحويل المجتمعات المدنية الآمنة إلى مجتمعات طائفية متباغضة متحاربة متصارعة، فيشغل الناس من النظر إلى مستقبلهم ليعيشوا صراع القرون الأولى الذي لن ينتهي لأنّه خلاف فلسفي وليس تجربة علمية تنتهي عند نتائج معينة!

وعليه كان أهم مظاهر التطرف الديني والتي سنقف معها في الحلقات التالية:

– التّعصب للذّات، وعدم الاعتراف بالآخر، أو إلغاء الآخر وتصفيته فكريّاً، وقد يستغل الجانب الشّعبيّ والمجتمعيّ كقاعدة في إلغاء الآخر، وقد يتعرض للتّصفيّة  الجسديّة.

– تصوره أنّ بتطرفه هذا يرضي الله ويدخله رضوانه، وأنّه ينطلق باسم الغيب وباسم الله وأنبيائه وقديسيه.

– الصّراع المذهبي، والعيش في صراع الماضي، ومحاولة إحيائه.

– ضياع الوقت والمعرفة في جدل فلسفيّ في قضايا غيبيّة، وإشغال الأجيال بها، مقابل العلم والمعرفة التّجريبيّة والمستقبل.

– تزكية النّفس والمذهب، والاستخفاف من المخالف في الفكر والمذهب الآخر.

– التّفجيرات والقتل وإرهاب الآخر باسم الجهاد والحفاظ على بيضة الدّين.

– التّشدد في قضايا فرعيّة، وفي مسائل رأي يسع الخلاف حولها.

 – تمجيد ذوات، والدّفاع عنهم، وفي الوقت نفسه إلغاء المخالف من الذّوات الأخرى.

– التّحذير من قراءة كتب الآخر، وصنع مسميات لوضعهم في هذه الخانة، لأجل التّحذير منهم، وإقصائهم مجتمعيّاً.

Your Page Title