يكتبها : بدر العبري
من رحمة الله على العباد أنه خلقهم متفاوتين كلٌ حسب قدراتهم العقلية والجسدية، وهذا التفاوت والتباين ضروري لتحقيق سنة التسخير بين البشر وهي سنة كونية اجتماعية قال الله تعالى عنها: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} .
والاختلاف بين البشر في الميول والمواهب عائد إلى ثلاثة أمور أساسية: العقل وقوة الجسم ورغبة الانتاج والإبداع، أما العقل فذلك نتيجة التباين والتفاوت في القدرات العقلية بين البشر، والتدرج في قدرات الفهم والحفظ، وهذا بدوره سيؤثر على الأفراد، وسينوع من نتاجهم وخدمتهم لبعضهم بعضا، فهناك من سيتفوق بعقله ليخدم البشر في مجال معين، وهناك أيضا ممن لم تتهيأ له هذه الظروف العقلية ولكنه أيضا بما عنده من طاقة عقلية سيخدم في مجال آخر المجتمعُ البشري لا يستغني عنه.
وكذلك الحال بالنسبة لقوة الجسم فهناك ممن أعطي قوة بدنية يستطيع بها مزاولة بعض الأعمال التي تخدم البناء المجتمعي، وهناك ممن هو أضعف جسدا أيضا سيحقق البناء من خلال القدرات والمواهب التي يمتلكها، ولو كان معوقا في جسده أو بعض أجزاء الجسم.
كذلك بالنسبة للميول والرغبات هذه ستحقق التنوع المعيشي والإبداعي على مستوى الفكر أو الصناعة وكذا الحراك العملي، فهناك ممن سيهتم بالفلسفة، وهناك ممن سيهتم بعلم الطبيعة والاستقراء، وهناك من رغبته الطب والبحث عن العلاج، وكذلك الجانب العملي سنجد النجار والخباز والخياط، فضلا عن الصناعات والشركات بتعددها.
كلّ هذا يوجد تنوعا بين البشر يكمل بعضهم بعضا كما يقول الشاعر:
النّاس للنّاس من حضر وبادية كلٌّ لكلِّ وإن لم يشعروا خدم
وبهذه الجوانب الثلاث العقلية والجسمية والمواهبية تتشكل الكفاءة بين الناس، وليس على اعتبارات جنسية أو لونية أو قبلية أو مالية، وإلا سيحدث خللا كبيرا في سنن الاجتماع سيؤدي بدوره إلى تخلخل المجتمع البشري، ويصبح أقرب إلى الغابة التي يأكل القوي فيها الضعيف، ويستغل الغني الفقير، ويستعبد فيها النبيل الوضيع.
والله تعالى في كتابه ألغى جميع مظاهر التفرقة على أسس جزئية، وجعل الانطلاق من كرامة الإنسان المطلقة حيث يقول سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} .
فكرامة الإنسان هي جوهر التجانس البشري، فلا يجوز أن ينحرف هذا الجوهر لاعتبارات بشرية قاصرة، والكفاءة لا تتعارض مع الكرامة إذا كانت هذه الكفاءة منطلقة من الكرامة ذاتها، على اعتبار الجوانب الثلاث السالف ذكرها لا غير.
وعليه يأمر الله تعالى بالحفاظ عليه عن طريق طرق ثلاث: العدل، والقسط، والشهادة له سبحانه وحده حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} .
وما نراه اليوم من تسلسل في الرياسة أو الوجاهة والمشيخة أو إعطاء الوظائف والمهام لاعتبارات قبلية أو مالية أو أسرية كلّ هذا يولد خللا يصعب علاجه بعدها، وقد يجر إلى فساد كبير بين البشر، فالكفاءة على الأسس الطبيعية في البشر هي الأساس للتفاضل بين الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه، وبهذا يتحقق التجانس البشري.