أثير - مـحـمـد الـعـريـمـي
يُعد الاكتتاب العام من أبرز الأدوات المالية التمويلية التي تستخدمها الشركات لجمع رؤوس الأموال عبر طرح أسهمها في الأسواق المالية. ورغم أن الاكتتاب العام يمثل فرصة للمستثمرين للحصول على حصص في شركات واعدة، فإنه لا يخلو من التحديات والمخاطر.
في الآونة الأخيرة، شهدت بورصة مسقط سلسلة من الاكتتابات العامة، مثل اكتتاب “أبراج للطاقة” و “أوكيو لشبكات الغاز” و “أوكيو للاستكشافات” وآخرها اكتتاب “أوكيو للصناعات الأساسية”، وقد أثار هذا التزايد في الاكتتابات العامة تساؤلات حول قدرة بورصة مسقط على استيعاب 4 اكتتابات كبيرة في عام واحد، وإيجابياتها وسلبياتها.
تواصلنا مع الخبير الاقتصادي ورئيس قطاع الاستثمار للأسواق المالية بشركة تنمية د.أحمد بن سعيد كشوب، الذي قدم تحليلًا شاملًا للأبعاد المختلفة لعملية الاكتتاب العام في بورصة مسقط، حيث أوضح في بداية حديثه بأن البرامج الوطني للاستدامة المالية يلعب دورا كبيرا وهو شريك في وضع الإستراتيجيات للارتقاء بالبورصة، نظرًا لتوجه الحكومة في توسيع أنشطة البورصة وتكون أسهم واعدة وقادرة وفيها سيولة سهمية من حيث وجود السهم وتوزيع الأرباح وأحجام التداول ، مشيرًا إلى 5 مبادئ وتوجهات وإستراتيجيات ترتبط بالاكتتابات العامة في بورصة مسقط:
1- مبدأ إدراج وخصخصة الشركات الحكومية
تم اتخاذ سياسات من قبل الحكومة لتحويل الشركات المملوكة لها بالكامل 100% إلى شركات يُتاح لها الاكتتاب العام، وقد وضعت الحكومة إستراتيجية للخصخصة على مدار سنوات عديدة، شملت مجموعة من الشركات منها التي تم تحديدها للاكتتاب أو الخصخصة مؤخرًا.
2- مبدأ تعزيز قطاع الطاقة
يعد قطاع الطاقة، بما في ذلك الغاز والنفط، من القطاعات الحيوية التي تحتاج إلى تعزيز خاص في بورصة مسقط، -باستثناء شركات تسويق النفط- فهذا القطاع يعد من القطاعات التي تفتقر إلى تمثيل كافٍ في البورصة، على الرغم من أنه يشكل محركًا اقتصاديًا رئيسيًا لسلطنة عُمان.
3- مبدأ الدعم الحكومي وتوجهات السياسات
كانت الشركات التي تم الاكتتاب بها تحظى بدعم حكومي من حيث التمويل والضمانات، إلا أن الحكومة بدأت منذ عامين بتقليص هذا الدعم، حيث أصبح المطلوب من الشركات أن تعتمد على نفسها إذا أرادت التوسع وفتح خطوط إنتاج جديدة سواء داخل أو خارج سلطنة عمان.
4- مبدأ الإستراتيجية الخاصة بالأسواق الناشئة
وضعت بورصة مسقط بالتنسيق مع جهاز الاستثمار العماني إستراتيجية تهدف إلى تعزيز السوق وتحويله إلى ما يُعرف بـ “الأسواق الناشئة”، وهذا يرتبط بعدة عوامل، أبرزها وجود شركات واعدة توفر سيولة كافية يمكن للمستثمرين المحليين والأجانب الاستفادة منها، بالإضافة إلى تنوع القطاعات الموجودة في السوق.
5- مبدأ استقطاب الاستثمارات الأجنبية
الصناديق الاستثمارية الأجنبية تسعى إلى تحقيق عوائد جيدة في بيئة مستقرة سياسيًا واقتصاديًا، وعندما تجد هذه الصناديق أسواقًا أكثر استقرارًا، مثل الأسواق الخليجية، فإنها تميل إلى التحول إليها من الأسواق الأقل استقرارًا جيوسياسيًا، وعلى الرغم من أن حجم التداول في بورصة مسقط قد يكون قليلًا، إلا أن السوق يتمتع بقدر من الاستقرار مما يجعله سوقًا واعدًا للمستثمرين.
الاكتتابات العامة
يشير كشوب إلى أن بورصة مسقط تعتمد في اكتتاباتها على المستثمرين الإستراتيجيين والمضاربين وصغار المستثمرين
المستثمرون الإستراتيجيون:
هي الصناديق الاستثمارية والشركات المحلية والأجنبية التي تسعى للاستثمار طويل الأجل. وغالبًا ما يكون هدفهم الحصول على عوائد مالية مستقرة ومجزية. ويلاحظ كشوب أن العوائد المالية المرتفعة التي حققها الشركاء الإستراتيجيون من دخولهم الاكتتابات تتراوح بين 7% إلى 8%، هي عوائد لا تتوفر في أغلب الاستثمارات الأخرى.
صغار المستثمرين:
فئة المضاربين أو صغار المستثمرين، وهم غالبًا ما يسعون لتحقيق عوائد سريعة، ويكتتبون مع مجموعة من الأشخاص بناءً على توقعات لارتفاع سعر السهم بعد إدراجه، ثم يبيعون السهم فور تحقيق أرباح تتراوح بين 10% و 20%. وقد شهدنا هذا السلوك في اكتتابات “أبراج للطاقة” و“أوكيو للغاز“، وصولًا إلى دخولهم في اكتتاب " أوكيو للصناعات الأساسية "
الارتفاع الطفيف في سعر سهم أوكيو للاستكشاف والإنتاج
الاكتتاب قبل الأخير في عام 2024م، لـ “أوكيو للاستكشاف والإنتاج ” أثار بعض الارتباك بسبب حجم الاكتتاب الكبير والاختلاف في الأسعار بين المستثمرين الأجانب والعمانيين، ومع ذلك، كان من المتوقع أن يتراوح سعر السهم عند الإدراج حول 390 بيسة، بينما وصل السعر النهائي للعمانيين إلى 351 بيسة. ويرى كشوب أن هذا الاختلاف في الأسعار لم يكن خطأ، بل كان توجهًا واضحًا، حيث تزامن مع بعض الأزمات الجيوسياسية وأيضًا الانتخابات الأمريكية التي أثرت على الأسواق.
على الرغم من التحاليل التي تؤكد أن الاكتتاب الأخير سيُعطي 7%- 7,5% و 7,6%، إلا أن ردة الفعل التي حصلت في اكتتاب “أوكيو للاستكشاف والإنتاج ” عملت نوع من ردة الفعل و إعادة النظر لدى المستثمرين خصوصًا المضاربين الذين يرغبون بإدراج السهم والبيع المباشر “الشراء والخروج”.
التحديات التي تواجه السوق العمانية
على الرغم من العوائد الجيدة التي يمكن أن تحققها الاكتتابات العامة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه السوق العمانية. يشير كشوب إلى أن كثرة الاكتتابات في فترة زمنية قصيرة قد تؤدي إلى تشبع السوق، مما يصعب على المستثمرين استيعاب جميع الفرص. ويوصي أن تُدرج الأسهم على فترات زمنية متباعدة (كل 3-6 أشهر) لتمكين السوق من امتصاص هذه الاكتتابات بشكل أفضل.
التأثيرات الجيوسياسية على السوق
أحد العوامل التي أثرت على اكتتابات بورصة مسقط مؤخرًا هو الاضطراب الجيوسياسي العالمي، بما في ذلك الانتخابات الأمريكية والتوترات في بعض المناطق، فهذه العوامل أدت إلى تراجع اهتمام بعض المستثمرين، خاصة الأجانب، ما خلق حالة من القلق والبيع الجماعي للأسهم في اليومين الأوليين من التداول. على الرغم من ذلك، أكد كشوب أن بورصة مسقط قادرة على تحمل الاكتتابات، حيث توجد سيولة ضخمة في البنوك، ما يوفر فرصًا كبيرة للمستثمرين لتحقيق عوائد جيدة.
الآفاق المستقبلية
أكد كشوب على أن بورصة مسقط ستظل جاذبة للمستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، خاصة إذا استمرت الحكومة في تبني سياسات تعزز الاستقرار الاقتصادي وتحفز القطاعات الواعدة، كما أن الاستمرار في خصخصة الشركات الحكومية وفتحها للاكتتاب العام من شأنه أن يسهم في تعزيز مكانة البورصة في الأسواق الناشئة MSCI والأسواق المالية متقلبة فالأسعار يمكن أن تتغير بسرعة بسبب الأخبار والتقارير المالية والأحداث السياسية وحتى المشاعر العامة في السوق، وتلك التقلبات توفر فرصا لتحقيق أرباح لكنها تتضمن أيضا مخاطر يمكن تودي إلى خسائر.
وفي ختام حديث الخبير الاقتصادي أحمد كشوب، قال: نتمنى أن تكون الأمور جيدة، ولو أن الأوضاع العامة الخارجية الجيوسياسية كانت مستقرة، فإننا نتوقع أن الأسعار كانت ستكون أفضل عن الحالية، لكن الوضع بشكل عام عمل إعادة انقباض أو تراجع من قِبَل المستثمرين المؤثرين وخصوصًا المضاربين أو المستثمرين قصيرين الأجل الذين يبحثون عن عوائد سريعة، وعلى وجه الخصوص الذين أخذوا تمويل من البنك 1 مقابل 1، وهذا أثر عليهم على اعتبار ستُحسب فوائد أو عمولات بعد مرور شهر أو حسب الاتفاق.