أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في الخامس عشر من أبريل من عام 1872م تعرضت زنجبار لإعصار كبير تسبب في خسائر فادحة، من ضمنها تحطم السفينة ( شاه علم ) التي بناها السيد سعيد بن سلطان (سلطان عمان وزنجبار) سنة 1820م في بومباي، والتي كانت تحمل اثنين وخمسين مدفعا وبها مائة وخمسون ملاحا، وكذلك سفينة ( سليمان شاه ) وعدد من السفن الأخرى، بالإضافة إلى أضرار كبيرة طالت الإنتاج الزراعي للجزيرة وبخاصة القرنفل وجوز الهند.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من ذلك الإعصار، من حيث تاريخه الزمني، وأبرز المصادر التي أشارت إليه، وأضراره المادية المختلفة وبالأخص ما يتعلق بزراعة القرنفل، وتأثر عدد من السفن والقطع الحربية والتجارية التي كانت راسية في ميناء زنجبار وقتها.
تاريخ الإعصار:
وقع الإعصار في يوم السادس من صفر 1289هـ الموافق الخامس عشر من أبريل 1872م، أي قبل حوالي (153) عامًا من الآن، وقد أشار إلى هذا الإعصار عدد من المؤرخين المعاصرين أو الذين اقتربوا من تلك الفترة الزمنية ونقلوا عمّن عاصرها، فيذكر الشيخ سعيد بن علي المغيري صاحب (جهينة الأخبار) أنه: " وفي 6 صفر من سنة 1289هـ هبّت ريح عظيمة بزنجبار، وقلعت عددًا كبيرًا من أشجار القرنفل، ولذلك ارتفع سعر القرنفل حتى بلغت الفراسلة سبع عشرة روبية إلى خمس وعشرين روبية“.
وأشار الشيخ نور الدين السالمي إلى الحادثة في كتابه (تحفة الأعيان) في معرض تعليقه على تداعيات سقوط إمامة عزّان بن قيس، حيث ذكر: “.. ومنها أن برغش بن سعيد سلطان زنجبار لما بلغه قتل الإمام ضرب مدفعًا فرحًا مائة ضربة وضربة وذلك لأنه خاف على ملكه فأرسل الله عليهم ريحًا شديدة حشرت زنجبار وكسرت المراكب وخرّبت البيوت فيقال إنها كانت تأخذ سقف البيت ومصابيحه، والتجأ برغش إلى المسجد فقال له بعض الأفاضل هذه المائة ضربة والضربة، فلم تبق بزنجبار شجرة قائمة إلا ما غُرِس بعد ذلك إلا قليلًا من ذلك، ويقال إن طرقها قد تعمت من كثرة ما وقع من جذور الشجر. فاعتبروا يا أولى الألباب”.
وصف الإعصار وآثاره:
هناك سرد لكيفية حدوث الإعصار في موقع البحرية الملكية الفيكتورية، حيث ذكر الموقع أن الجزيرة تقع على بُعد حوالي درجتين شمال المنطقة الاعصارية المعتادة، ولكن في عصر يوم 15 أبريل 1872م اشتدت عاصفة جنوبية غربية، كانت تهب منذ الفجر، إلى قوة إعصار، ثم تحركت حول نقاط البوصلة، واستمرت حتى حلول الليل بعنف متواصل. في مرحلة مبكرة، حوّلت الأمطار الغزيرة شوارع المدينة الضيقة إلى سيول جارفة، بينما هدمت الرياح جدران المنازل، واجتاحت أكواخ السكان الأصليين، واقتلعت أفواجًا من الأشجار.
وذكر الموقع نقلًا عن القنصل وقتها جون كيرك: “هبّت أول هبة ريح غزيرة على نوافذ الوكالة وشقتي، وكسرت الأبواب، وألقت الطاولات والأرائك على الجدران المقابلة في فوضى... ومع ارتفاع أمواج البحر، انجرفت رذاذ الملح والمطر عبر النوافذ المكسورة، وملأت الغرف بعمق قدم... كان البحر هائجًا بقوة هائلة، فدمر وجرف كل الحواجز الحجرية وصفّين من أكوام الخشب التي تحمي أساسات القنصليات الإنجليزية والألمانية والأمريكية... انفجر مكتب القنصلية بفعل الرياح، ونهب صندوقًا من خشب الساج، كان يُحفظ فيه العديد من الوثائق القيّمة، وجميع الخانات التي كانت تُودع فيها شؤون العمل الجارية. في صباح اليوم التالي، عثرتُ في الشارع على العديد من الأوامر الحكومية والمذكرات السرية، بالإضافة إلى معظم بريدنا الذي كان من المفترض أن يُرسل في اليوم التالي، لكن وثائق أخرى مهمة فُقدت تمامًا... في شقتي... كانت أرضية غرفة المعيشة مغطاة بالمياه بعمق قدم، وشكّلت الكتب والصور والخزف، وما إلى ذلك، كومة مبللة ومشوشة”.

ويضيف القنصل واصفًا الخسائر الناجمة عن الإعصار: “بلغت تكلفة إصلاحات القنصلية 2000 جنيه إسترليني؛ ولكن هذا كان تافهًا مقارنة بخسائر ملاك الأراضي العرب. فقد دُمر ما لا يقل عن ثلثي مزارع القرنفل وجوز الهند الخاصة بهم؛ ونظرًا لأن الأشجار الجديدة لن تؤتي ثمارها لسنوات عديدة، فإن الخسارة كانت لا تُحصى. علاوة على ذلك، غرقت أو تحطمت جميع السفن في الميناء، باستثناء سفينة أبيدوس، المتجهة إلى لندن، والتي تمكنت من الخروج إلى البحر بقوة بخارية عالية، على الشاطئ. نجحت السفينة أديل أوسوالد، التابعة للشركة الألمانية الرائدة، ويليام أوسوالد وشركاه، في الهروب من الميناء ولكنها أُجبرت على النزول إلى الشاطئ وفُقدت بكل الأيدي. تحطمت سفينة لندن، ليبيريا. غرقت أو جنحت حوالي 150 سفينة عربية وهندية، وكان الكثير منها ممتلئًا بالبضائع. لكن الكارثة الأبرز كانت الضرر الذي لحق بالأسطول الصغير الذي افتخر به سيد سعيد، مؤسسه، وورثه كملكية شخصية لخلفائه. تحطمت سفينته الرئيسية، الفرقاطة شاه ألوم، بالكامل: وكذلك سليمان شاه، التي وصلت لتوها من بومباي. ألقيت ثلاث سفن بخارية وفرقاطة على الشاطئ وتضررت بشكل كبير إلى حد ما. في الوقت الحالي، على أي حال، عانت سلطة السلطان وكذلك جيبه بشكل خطير: فرغم أن كفاءة أسطوله كأداة حرب كانت موضع شك، إلا أن سلطة قائده على الموانئ البحرية العربية على الساحل كانت في النهاية تستند إليه”.
وقد نشرت مجلة L’UNIVERS ILLUSTRE' الفرنسية، في العدد ٩٠٧ الصادر في عام ١٨٧٢م، مقالًا تناول الإعصار المدمر الذي ضرب زنجبار، وبعض الرسومات التي تشير إلى الأضرار الناجمة عنه.

الأضرار المرتبطة بالسفن الحربية والتجارية:
تم جر السفينة الشراعية أديل أوزوالد إلى الشاطئ وتحطمت على صخور مانجا باوي، على بعد 12 ميلًا بحريًا (22كم) جنوب زنجبار في الإعصار مع فقدان جميع أفراد الطاقم الثلاثة عشر، كما تم جر السفينة (تاجر بوشهر) المجهزة بالكامل إلى الشاطئ وتحطمت في الإعصار، وتم إنقاذ طاقمها.
وانجرفت السفينة (المجيدي) كاملة التجهيز إلى الشاطئ وأُنقذ طاقمها، وأُعيد تعويمها في 7 يوليو، وجُرفت الفرقاطة (إسكندر شاه) إلى الشاطئ وتحطمت بينما أُنقذ طاقمها.
وتم جر السفينة الحربية (شاه علم) إلى الشاطئ وتحطمت في الإعصار وتم إنقاذ طاقمها. كما تم جر السفينة (سليمان شاه) إلى الشاطئ وتحطمت، وتم إنقاذ طاقمها، وفُقِدت السفينة البخارية (سلطانة) وتم إنقاذ طاقمها.

تأثيرات الإعصار على النشاط التجاري لزنجبار:
يعد محصول القرنفل أحد أبرز المحاصيل المرتبطة بالنشاط الاقتصادي في زنجبار، وكان يشكل نسبة مهمة من الصادرات، وقد تراجع إنتاج القرنفل بعد عام 1872م بسبب هذا الإعصار، حتى قيل إن 2% فقط من أشجار القرنفل نجت من الإعصار، ومن ثمّ قلّ الإنتاج بشكلٍ كبير، خاصةً أن الأشجار الجديدة التي زُرِعت بعد الإعصار تحتاج من ست إلى ثماني سنوات لكي تصبح منتجة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار القرنفل؛ بسبب زيادة الطلب وقلة المعروض.
ويذكر المغيري أنه: " وقد وجدنا بخط السيد برغش صكًّا مكتوبًا لأهل الجزيرة الخضراء لما أراد زيادة عشور القرنفل بعد واقعة الريح التي قلعت قرنفل زنجبار عن آخره في 6 صفر سنة 1289هـ، يطلب فيه زيادة العشور لمدة سنة واحدة، ثم يعيد عشوره كما كان، في المائة؛ خمسة.
ونص لفظه هذا: " بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد ليعلم الواقف على كتابي هذا، وأنا برغش بن سعيد بن سلطان، أني جعلت على كافة الجماعة الساكنين بالجزيرة الخضراء من العرب وغيرهم عشورًا في القرنفل على كل فراسلة قرشين ونصف، لغلّة هذه السنة، ومن بعد ليس عليهم شيء غير العشور السابق المعتاد، وألا أحد يخفي قرنفله، وكل الذي منهم يريد أن يبيع قرنفله يوزنه، ويخرج الذي هو زيادة من الفراسلة قرشين ونصف من القرنفل الزين، لنأخذ الزين، ومن الضعيف لنأخذ الضعيف، والسلام.
كتبه برغش بن سعيد بيده في سنة 1291هـ، حادي رجب.
ومن الآثار الأخرى لإعصار عام 1872م زيادة الهيمنة الاقتصادية للتجار الهنود، فأصبح الملّاك العرب يقترضون من التجار الهنود لمواصلة حياتهم التجارية، وإعادة صيانة وتأهيل مزارعهم التي تأثرت بالإعصار، وفي نهاية السبعينيات من القرن التاسع عشر سيطر الهنود على كل مراحل بيع القرنفل بدءًا من نقله من المزارع إلى تصديره إلى الخارج.
كما أدى هذا الإعصار إلى ازدهار الحركة الزراعية في الجزيرة الخضراء (بمبا)، إذ فضّل الكثير من العمانيين الهجرة إليها، وامتلاك الأراضي فيها، لأنها لم تتأثر بهذا الإعصار، وأصبحت الجزيرة هي المصدر الرئيس لصادرات زنجبار من القرنفل.
المراجع
- السالمي، عبدالله بن حميد. تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان، مكتبة الاستقامة، سلطنة عمان.
- الكيومي، سليمان بن سعيد. الآثار الاجتماعية والاقتصادية لزراعة القرنفل في زنجبار خلال القرن 19، ندوة قراءات في التاريخ الاقتصادي العماني، الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، 26 ديسمبر 2018م.
- المرجبي، محمد بن علي. الروزنامة العمانية، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، 2018.
- المغيري، سعيد بن علي. جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، ط3، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1994.
- موقع البحرية الملكية الفيكتورية. https://www.pdavis.nl/index.htm