محمد سليمان تميم الهنائي
حين يذكر التاريخ العماني، تذكر الحكمة التي لم تحد يومًا عن خط الاعتدال، والرؤية التي أدارت مسارات السياسة الدولية بحنكةٍ وصبرٍ واتزان. وفي لحظات التحولات الكبرى، تتجلى شخصية معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، رمزًا لهذا النهج العريق، وذراعًا حكيمًا يجسد مدرسة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في الدبلوماسية العمانية الحديثة.
معاليه ليس مجرد رجل دولة، بل امتدادٌ حي لنهج عمان الأصيل في صناعة السلام، وإدارة التوازنات الدقيقة. وبينما يشتعل العالم بالتجاذبات، اختارت القوى الكبرى عمان لتكون وسيطًا نزيهًا في أعقد الملفات، مثل المفاوضات بين إيران وأمريكا، اعترافًا دوليًا بأن الحكمة العمانية، بسجلها التاريخي المشرف، تظل منارةً وسط العواصف.
لقد أرست عمان منذ عقود طويلة مبدأ الحياد الإيجابي؛ فكانت مع مصر حين قاطعها الجميع، وكانت الصوت العاقل بين العراق وإيران حين انقسمت المواقف، وكانت جسراً للحوار في قضايا الخليج الدقيقة، وظلت متمسكة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ترفع راية السيادة واحترام القرار الوطني لكل شعب.
وامتد هذا النهج ليشمل توازنًا دوليًا نادرًا؛ عمان التي حافظت على علاقاتها الإستراتيجية مع أمريكا، لم تتخلَّ يومًا عن بناء جسور التعاون مع الصين وروسيا، فجمعت الشرق والغرب في معادلة سياسية نادرة الحدوث، صنعت بها لنفسها مكانة لا تضاهيها مكانة.
واليوم، تحت القيادة الحكيمة لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تتجدد هذه السياسة بروح عصرية، فتنطلق الدبلوماسية العمانية نحو آفاق الاقتصاد العالمي، بانفتاحٍ مدروس، وتنويعٍ للعلاقات، وإصرارٍ على جعل عمان مركزًا اقتصاديًا فاعلًا يعزز استقلال قرارها ويثبّت جذور أمنها القومي.
معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، في أدائه، يُجسد هذه الروح العمانية النبيلة؛ صوتًا عاقلًا في زمن الضوضاء، وذراعًا أمينة تحمل رسالة عُمان العريقة إلى العالم: رسالة الوفاق، والعدل، والاحترام المتبادل.
ففي صمته فصاحةٌ تعبر عن حكمة القائد، وفي خطواته حكاية أمةٍ آمنت بأن الثبات على المبادئ هو القوة الحقيقية، وأن المجد ليس صخبًا عابرًا بل تاريخٌ يُكتب بأيدٍ ثابتةٍ وعقولٍ مضيئة.
وتمضي عُمان اليوم بخطى واثقة نحو المستقبل، مستلهمة من تاريخها المجيد قوة القرار، ومن حاضرها الحكيم رؤى التجدد والانفتاح، لتواصل دورها كجسرٍ حضاريٍ بين الأمم، وصوتٍ عاقلٍ في زمن التحولات الكبرى.
وسلامٌ عليك يا عمان المجد، وسلامٌ على قيادتك الحكيمة، وسلامٌ على كل يدٍ أمينةٍ تحمل إرثك العظيم إلى المستقبل، بكل فخرٍ واعتزاز.