رصد - أثير
إعداد - ريما الشيخ
حرية الصحافة هي حجر الزاوية في أي مجتمع، فهي التي تكشف الحقائق وتضمن تدفق المعلومات إلى الجمهور بلا قيود.
وعلى مرّ السنين، لعبت المرأة دورًا محوريًا في تعزيز هذه الحرية والدفاع عنها، مسجلة حضورًا لافتًا في ميدان الصحافة، رغم ما تواجهه من تحديات وضغوط. فالصحافيات الشجاعات لم يكتفين بنقل الأحداث فحسب، بل وقفن في الصفوف الأمامية لكشف الفساد والانتهاكات، مقدماتٍ تضحيات جسيمة في سبيل إيصال الحقيقة.
ولكن، هل تساءلت يومًا عن الثمن الذي قد تدفعه الصحافيات الشجاعات في سبيل إيصال الحقيقة إلى العالم؟ كيف يمكن لشخص أن يخاطر بحياته أو حريته من أجل كلمة صادقة أو تقرير يكشف المستور؟ هذه الأسئلة تدفعنا للتفكير في نماذج حقيقية لنساء تحدين الخوف والترهيب دفاعًا عن حرية الصحافة.
في هذا المقال، نستعرض قصصًا ملهمة لنساء واجهن المخاطر دفاعًا عن حرية التعبير، وأثبتن أن صوت المرأة في الصحافة قوة لا يُستهان بها.
نماذج من العالم العربي
شيرين أبو عاقلة
مراسلة ميدانية فلسطينية كرّست حياتها لنقل معاناة شعبها تحت الاحتلال. على مدى 25 عامًا، عملت شيرين مع قناة “الجزيرة” تغطي أحداث الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى بات اسمها من أبرز الأصوات الصحفية في الشرق الأوسط ومثالًا يُحتذى به للعديد من الصحافيات العربيات.
في مايو 2022، دفعت شيرين الثمن الأغلى عندما قُتلت برصاص الجيش الإسرائيلي أثناء ارتدائها السترة الصحفية خلال مهمة ميدانية. وقد شكّل رحيلها صدمة كبرى، ومحطة لإدانة الاعتداءات على الصحافيين، ورسّخ مكانتها كأيقونة للصحافة الفلسطينية والعربية.
نورا يونس
صحفية مصرية ومدافعة شرسة عن الإعلام المستقل. أسست موقع “المنصة” الإخباري عام 2015 لتقديم صحافة جادة بعيدًا عن هيمنة الرقابة. ورغم التضييق المستمر، واصلت نشر التحقيقات وكشف الانتهاكات دون خوف. ففي يونيو 2020، اقتحمت قوات الأمن المصرية مقر “المنصة”، واعتُقلت نورا بتهمة تشغيل موقع إلكتروني دون ترخيص. ورغم الإفراج عنها لاحقًا بكفالة، لم تتخلَّ نورا عن رسالتها. وقد حازت في وقت سابق على جائزة دولية تقديرًا لعملها في كشف انتهاكات حقوق الإنسان.
توكل كرمان
من اليمن، برزت كصحفية وناشطة حقوقية تواجه الظلم بالقلم والكلمة الحرة. في عام 2005، شاركت في تأسيس منظمة “صحفيات بلا قيود” دعمًا لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وقادت منذ 2007 احتجاجات أسبوعية تطالب برفع القيود عن الصحافة، متحديةً التضييق المفروض على الإعلام. هذا النضال جعلها أيقونة للصحافة الحرة، وتُوّج بحصولها على جائزة نوبل للسلام عام 2011 كأول امرأة عربية تنال هذه الجائزة المرموقة.
وقد شكّل تكريمها اعترافًا عالميًا بأهمية دور المرأة الصحفية في إشاعة ثقافة الحرية والتغيير الإيجابي.
نماذج عالمية ملهمة
ماريا ريسا
صحفية فلبينية رفعت لواء الدفاع عن الحقيقة في وجه القمع الرقمي. شاركت في تأسيس موقع “رابلر” الإخباري عام 2012، ومن خلاله كشفت فساد السلطة وانتقدت حملة القمع التي قادها الرئيس رودريغو دوتيرتي ضد المخدرات. وتميّزت ريسا بشجاعة استثنائية في فضح التضليل الإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحملت في سبيل ذلك مضايقات قضائية وتهديدات، حتى صدر بحقها حكم بالحبس بتهمة “التشهير الإلكتروني”.
في عام 2021، تُوّجت جهود ماريا ريسا بجائزة نوبل للسلام، تقديرًا لدفاعها الشجاع عن حرية التعبير، مما رسّخ مكانتها رمزًا عالميًا للصمود في وجه محاولات إسكات الصحافة.
آنا بوليتكوفسكايا
اسم لامع في سماء الصحافة الاستقصائية الروسية، دفعت حياتها ثمنًا لكشف الحقائق. عملت آنا مراسلة لصحيفة “نوفايا غازيتا” المعارضة، وركّزت تقاريرها على انتهاكات حقوق الإنسان خلال حرب الشيشان في بدايات عهد فلاديمير بوتين.
لم ترهبها التهديدات ولا الاعتقالات المتكررة، بل استمرت في إيصال صوت الضحايا. وفي 7 أكتوبر 2006، عُثر عليها مقتولة بالرصاص أمام منزلها في موسكو – جريمة هزّت العالم وأبرزت الأخطار المتصاعدة التي تلاحق الصحافيين في روسيا.
دافني كاروانا غاليزيا
صحفية تحقيقات مالطية كرّست قلمها لفضح قضايا الفساد في بلدها. لم تتوانَ دافني عن نشر الملفات الحساسة، من فضائح “وثائق بنما” إلى تورّط مسؤولين كبار في اختلاسات مالية. هذه الجرأة جعلتها هدفًا لضغوط متعددة، من حملات تشويه السمعة إلى الدعاوى القضائية.
في 16 أكتوبر 2017، قُتلت بانفجار عبوة ناسفة زُرعت في سيارتها، في واحدة من أبشع الجرائم التي استهدفت صحفية في أوروبا. أثار اغتيالها صدمة واحتجاجات واسعة، وأدى الضغط الشعبي إلى استقالة رئيس الوزراء جوزيف موسكات، بعدما كشفت التحقيقات تورط مقربين منه في الجريمة.
تحولت دافني إلى أيقونة لحرية الصحافة في أوروبا، وأثبتت قصتها أن الصحافة المستقلة قد تكلّف أصحابها حياتهم، لكنها قادرة أيضًا على إحداث تغيير سياسي ملموس.
المصادر:
• الجزيرة نت
• المنصة
• العربي الجديد
• موقع صحفيات بلا قيود
• الشرق الأوسط
• The Guardian
• BBC News
• Committee to Protect Journalists (CPJ)
• NobelPrize.org
• Reuters
• Reporters Without Borders (RSF)