الأولى

الصحافة والذكاء الاصطناعي: تهديد أم فرصة لتعزيز حرية التعبير؟

الصحافة والذكاء الاصطناعي

رصد - أثير

إعداد: ريما الشيخ

يشهد قطاع الصحافة طفرة تقنية متسارعة مع تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي بات يغير أساليب إنتاج المحتوى ونشره وتحريره، فهذه الطفرة الرقمية فتحت الباب واسعًا لفرص جديدة أمام الصحفيين ومؤسسات الإعلام، لكنها في الوقت ذاته أثارت مخاوف حقيقية من تهديدات تمسّ حرية التعبير، ودقة المعلومات، وحتى مستقبل الوظائف الصحفية.

في هذا السياق المتغير، يتعين علينا التوقف عند السؤال الجوهري: هل الذكاء الاصطناعي حليف للصحافة الحرة، أم خصم يُخشى نفوذه؟

محتوى زائف

من أبرز التهديدات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قدرته على توليد محتوى زائف يبدو واقعيًا إلى حد بعيد، فتقنيات مثل “التزييف العميق” أصبحت شائعة، وتُستخدم في نشر مقاطع فيديو وصور وأخبار مفبركة يصعب على المتلقي العادي التحقق من صحتها، وقد صدر تقرير عن منظمة فريدوم هاوس كشف أن الذكاء الاصطناعي استُخدم في حملات تضليل إعلامي ضمن 16 دولة في عام واحد فقط، مما أدى إلى تقويض الثقة بالمصادر الرسمية وفتح المجال أمام المعلومات المشبوهة.

والأخطر أن هذه التكنولوجيا لا تكتفي بتضليل المتلقين، بل تسهم أيضًا في زرع الشك العام في كل محتوى يتم تداوله، ما يؤدي إلى حالة من الارتباك المعرفي تعيق ممارسة حرية التعبير بشكل سليم.

رقابة رقمية

في الوقت ذاته، أتاحت أدوات الذكاء الاصطناعي وسائل أكثر دقة وسرعة لمراقبة المحتوى على الإنترنت، وهو ما أدى إلى فرض البعض رقابة مشددة على الفضاء الرقمي، فدول كالصين طوّرت أنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة تطبيقات الدردشة ومنصات التواصل، واستهداف المحتوى الذي يتعارض مع الرواية الرسمية.


هذه الرقابة التلقائية، التي لا تمر عبر أيدٍ بشرية، تُصعّب من تتبع آليات الحذف وتحديد الجهة المسؤولة عن كتم صوت رأي معين، مما يعمّق أزمة الحريات الرقمية عالميًا، ويدفع الصحفيين والمعارضين إلى العمل في بيئات محفوفة بالمخاطر.

وظائف مهددة

أصبح من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لا يهدد فقط بنية الأخبار، بل أيضًا الكوادر البشرية التي تعمل في المجال الصحفي، فقد نشرت صحيفة إل فوليو الإيطالية عددًا كاملاً في عام 2025 أُنجز بالكامل باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون أي تدخل بشري، ما أثار جدلاً واسعًا حول إمكانية الاستغناء عن الصحفيين في المستقبل القريب.


أما في الكويت، فقد أطلقت صحيفة كويت نيوز أول مذيعة افتراضية تدعى “فضة”، والتي قدمت النشرات الإخبارية بطريقة متقنة، لتفتح باب النقاش حول قدرة التكنولوجيا على تعويض العنصر البشري في تقديم الأخبار وصياغتها.


تحذيرات أخرى جاءت من المدير التنفيذي لمجموعة أكسل سبرينغر الذي نبّه إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل الصحفيين إذا لم تتدخل المؤسسات لتحديث مهارات كوادرها وتبنّي سياسات ذكية في التوظيف الرقمي.

دعم التحرير

في المقابل، يقدم الذكاء الاصطناعي فرصًا لتعزيز جودة العمل الصحفي عبر تسريع المهام اليومية وتوفير أدوات تحليل وتحرير متطورة، فوكالات كـأسوشييتد برس وواشنطن بوست تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتوليد تقارير اقتصادية ورياضية دقيقة وسريعة، مما يفسح المجال أمام الصحفيين للتفرغ للتحقيقات الطويلة والتحليلات المعمقة، في العالم العربي، بدأت بعض المؤسسات الإعلامية بتطبيق هذه الأدوات في فحص البيانات، واكتشاف الأنماط السردية، ورصد الشائعات المنتشرة على المنصات، ما يسهم في رفع جودة المحتوى ويمنح الصحافة فرصة جديدة للتطور.

توسيع الآفاق

تفتح تقنيات الذكاء الاصطناعي آفاقًا غير مسبوقة في إيصال المعلومة، خصوصًا من خلال أدوات الترجمة الفورية، التي تتيح للمؤسسات الإعلامية نشر محتواها بلغات متعددة بسرعة فائقة.

كما تُمكن أدوات تحليل الرأي العام من فهم توجهات الجمهور في وقت شبه حقيقي، ما يساعد الصحافة على تلبية احتياجات المتلقين ودعم حملات حرية التعبير المبنية على البيانات.

وفي بيئات القمع، توفر تطبيقات التشفير وتقنيات إخفاء الهوية أدوات فعالة للصحفيين والنشطاء لنشر المعلومات دون خوف من الملاحقة، مما يكرس مبدأ الشفافية والمحاسبة.

استخدام مسؤول

مع هذه الإمكانيات الهائلة، تتزايد الدعوات إلى اعتماد أخلاقيات صارمة في استخدام الذكاء الاصطناعي داخل العمل الصحفي.
ففي منتدى الإعلام بآسيا الوسطى، شدد المشاركون على ضرورة ألا تسيطر التقنية على العمل التحريري، بل يجب أن تبقى في موقع الدعم لا القيادة.

وطرحت مواثيق مثل “ميثاق باريس لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي” أطرًا قانونية وأخلاقية لاستخدام هذه الأدوات بما يضمن نزاهة الأخبار واستقلالية التحرير.


في النهاية، الذكاء الاصطناعي أداة لا أكثر، يمكنه أن يعزز حرية التعبير، أو أن يقمعها، يمكنه أن يساعد الصحفي، أو أن يحل مكانه.


وبين هذا وذاك، تقع المسؤولية على عاتق الإنسان؛ على المحرر والمشرّع والناشر، فالتحدي اليوم ليس في إيقاف التطور، بل في توجيهه لخدمة الحقيقة، وتحصين حرية التعبير من أن تتحول إلى ضحية جديدة للثورة الرقمية.

المصادر:

  • منظمة فريدوم هاوس
  • الأمم المتحدة – اليوم العالمي لحرية الصحافة
  • ميثاق باريس لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الصحافة – مراسلون بلا حدود
  • صحيفة إل فوليو (إيطاليا)
  • صحيفة كويت نيوز
  • مجموعة أكسل سبرينغر الإعلامية
  • وكالة أسوشييتد برس
  • صحيفة واشنطن بوست
  • منتدى الإعلام في آسيا الوسطى
Your Page Title