فضاءات

التفكير الإبداعي وريادة المستقبل

التفكير الابداعي

مسقط - أثير

كتب: عبدالرحمن بن عبدالله بن برهام

لطالما كانت الريادة في يد من يمتلك القدرة على استشراف المستقبل، سواء على مستوى الدول أو المجتمعات أو حتى المؤسسات. هذه الحقيقة باتت اليوم أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، فحين ننظر إلى التجارب العالمية الكبرى، نلحظ أن الريادة لم تكن أبدًا حكرًا على من يملك الموارد أو التاريخ، بل غالبًا ما تكون من نصيب أولئك الذين امتلكوا فكرًا غير تقليدي، وسبقوا عصرهم بفهمهم العميق للغد.

عبدالرحمن بن عبدالله بن برهام

نجد مثلًا الولايات المتحدة وأوروبا قد تمكّنوا من تبوّء الصدارة عبر مشاريع وشركات غيرت وجه العالم، مثل جوجل وفيسبوك وتسلا. هذه الكيانات لم تعتمد على ما هو كائن، بل استثمرت في ما سيكون. فكرها الابتكاري المستقبلي هو ما منحها تلك المكانة، وليس فقط ما أنتجته من خدمات أو منتجات. من هنا، تبرز أهمية قراءة الواقع بدقة، وتحليله بذكاء، لنتمكن من التنبؤ بمستقبل تتسارع تطوراته بوتيرة غير مسبوقة.

اليوم، نحن نعيش ثورة تقنية ضخمة، تقودها أدوات الذكاء الاصطناعي وأتمتة البرمجيات، إلى درجة تجعلنا نتوقف لحظة لنتأمل حجم التغيير الذي نمر به. هذا التسارع الهائل يفرض علينا بالضرورة أن نعيد النظر في كثير من أفكارنا وخططنا الحالية. فليس من المنطقي، بل من غير المقبول، أن نظل نستخدم ذات المناهج التعليمية التي وُضعت منذ عقود، بينما العالم يتغير كل يوم وربما كل ساعة.

لقد بات من الضروري أن نعيد تعريف أولوياتنا. لم يعد التلقين أو الحفظ هو مفتاح المستقبل، بل أصبح التفكير الإبداعي هو المحور الذي ينبغي أن تلتف حوله كل جهودنا التعليمية والتطويرية. لماذا؟ لأن مستقبل الوظائف بات أكثر ضيقًا في مجالات كثيرة، حيث بدأت الآلات والروبوتات تحل محل الإنسان في مجالات مثل التصنيع، وخدمة العملاء، والأعمال القانونية، وحتى التحليلية.

لكن، في المقابل، يفتح هذا التحول أبوابًا جديدة لظهور وظائف ما تزال في بداياتها، مثل تطوير الذكاء الاصطناعي، وهندسة الروبوتات، وأمن المعلومات. وعلى الرغم من هذا كله، سيظل للإنسان مكانته في مجالات لا يمكن للأتمتة أن تُبدع فيها كما يبدع العقل البشري، مثل الصحة والتعليم والإبداع الفني والفكري.

من هنا، يمكن القول إن مستقبل الريادة قد يكون من نصيب أولئك الذين يعملون بجد على تطوير التفكير الإبداعي منهجيًا، وصقله لدى النشء، وتحويله من مجرد مهارة فردية إلى ثقافة عامة ومكون أساسي من مكونات التعليم والتنشئة.

في المستقبل القريب، قد تصبح العملية الإبداعية أكثر بساطة من حيث التنفيذ، إذ يكفي أن يولّد الإنسان فكرة فريدة، ليقوم الذكاء الاصطناعي بتنفيذها بالكامل بضغطة زر. لكن جوهر الريادة سيبقى دائمًا في القدرة على إنتاج هذه الفكرة من الأساس.

وإذا أردنا حقًا أن نصنع الفرق، فعلينا أن نبدأ من اليوم بزرع بذور الإبداع في عقول شبابنا، وأن نوفر لهم بيئة تحتضن الفضول، وتمنح الحرية للتجريب، وتحتفي بالأسئلة أكثر من الإجابات. فالتفكير الإبداعي ليس ترفًا، بل ضرورة لبناء مستقبل ريادي ومستدام.

Your Page Title