أثير - مـحـمـد الـعـريـمـي
بين جدران المتاحف، لم يعد الزائر يبحث فقط عن المعلومة، بل عن تجربة تنبض بالحياة، تدهشه وتتفاعل معه. وفي ظل تسارع التحول الرقمي، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة جوهرية لإعادة صياغة تلك التجربة، لا سيما في المؤسسات الثقافية الساعية لمواكبة تطلعات الزوار وتعزيز تواصلهم مع التاريخ.
في حوار خاص مع ”أثير“، تحدّثت الدكتورة مها بنت خميس البلوشية، من قسم التسويق في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، عن نتائج دراسة أجرتها حول تأثير التسويق المدعوم بالذكاء الاصطناعي على تجربة الزائر في المتاحف، والإمكانات المستقبلية لتطوير هذا القطاع الحيوي.
أوضحت الدكتورة أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحسين تجربة الزائر من خلال فهم سلوكياته وتحليلها، ما يمكّن المتحف من تقديم محتوى تفاعلي مخصص، وتجارب مصمّمة حسب الفئات العمرية والاهتمامات الثقافية. ومن خلال أدوات مثل السرد الرقمي، والمساعدات الافتراضية، والواقع المعزز، والتفاعل الصوتي، يمكن تعزيز تفاعل الزوّار مع المعروضات، بما يسهم في رفع مستوى الرضا وتعميق اندماجهم مع المحتوى المعروض.
وأشارت إلى أن نتائج الدراسة أظهرت تفاوتًا في فاعلية بعض الأدوات، مثل السرد الرقمي، الذي لم يؤدِّ الدور المتوقع كوسيط فعّال. ويُعزى ذلك جزئيًا إلى قلة عدد المشاركين في الاستبانة، وضعف تخصيص المحتوى السردي، إضافة إلى عوامل أخرى لم تشملها الدراسة، كالقيم الثقافية والارتباط العاطفي، والتي قد يكون لها دور في سد هذه الفجوة.
وفيما يتعلق بأشكال التسويق المدعوم بالذكاء الاصطناعي التي أثبتت فاعليتها، أكّدت الدكتورة أهمية تخصيص المحتوى بناءً على تفضيلات الزوار، ومتابعتهم بعد الزيارة الأولى. كما يُعد تحليل بيانات الزوار لتقديم توصيات فورية، والتفاعل اللحظي من خلال التعرّف التلقائي على لغة الزائر، من الأدوات الفاعلة. ولفتت إلى أهمية الخدمات التي تُيسّر دخول الزائر، مثل أنظمة الدخول الذكي، والترجمة الفورية، إلى جانب توفير تجارب ترفيهية موجهة للأطفال والعائلات، ولا سيما جيل Z.
كما أشارت إلى أن المؤسسات المتحفية يمكنها الاستفادة من نتائج الدراسة عبر تبنّي استراتيجيات تسويقية مستدامة، ترتكز على تحليل البيانات الضخمة لسلوك الزوار، وإرسال دعوات لحضور ورش متخصصة تناسب اهتماماتهم. وتوصي بتحديث المحتوى بصفة دورية، وإدخال قصص رقمية جديدة مدعّمة بتقنيات الواقع المعزز، لتجديد التجربة بشكل مستمر.
أما في ما يتعلق بالضوابط الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق الثقافي، فأكدت الدكتورة ضرورة حماية خصوصية الزائر والحصول على موافقته قبل جمع أي بيانات أو تتبّع سلوكه داخل المتحف، إلى جانب أهمية مراجعة المحتوى الرقمي من قبل خبراء لضمان المصداقية والثقة.
وفي محور آخر، شدّدت الدكتورة على أهمية تطوير تجربة الزائر دون الاعتماد الكلّي على التكنولوجيا، وذلك من خلال تنويع الأنشطة التقليدية مثل التفاعل مع الحرفيين، وتنظيم ورش لصناعة الفخار والحرف اليدوية من سعف النخيل، بالإضافة إلى جولات إرشادية يقودها أبناء عمان لتعزيز الارتباط العاطفي، فضلًا عن برامج تربوية تجمع بين أجيال مختلفة من الأطفال وكبار السن وطلبة الجامعات.
وفي ختام حديثها مع ”أثير“، دعت الدكتورة إلى دعم الاستثمار في البنية التحتية الرقمية للمتاحف، وتمويل برامج تدريب مستمرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بوعيٍ أخلاقي، وتشجيع التعاون بين المتاحف والشركات التقنية والجامعات، لتقديم حلول رقمية تراعي الخصوصية وتحافظ على الهوية الثقافية.
مصدر الصورة: AI