أخبار

دراسة أكاديمية تؤكد وجود تحيز إعلامي في تغطية BBC و i24 News لحرب غزة؛ كيف ذلك؟

مؤسسات إعلامية تتبنى الرواية الصهيونية في حرب غزة

أثير - ريما الشيخ

كشفت ورقة علمية جديدة، أجراها كل من الأستاذ الدكتور نور الدين الميلادي، أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة السلطان قابوس، وآية الميلادي من كلية لندن للاقتصاد، عن ممارسات إعلامية متحيزة في تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة (2023–2024)، من خلال تحليل نوعي لتغطية كل من هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) والقناة الإسرائيلية i24 News.

الورقة العلمية التي جاءت بعنوان “إبادة جماعية في البث المباشر: تحليل تأطير الفلسطينيين في تغطية (BBC) وقناة i24 News للحرب على فلسطين 2023-2024، تناولت الطريقة التي تم من خلالها تأطير الفلسطينيين في تغطية الإعلام الغربي والإسرائيلي لثلاثة أحداث مفصلية خلال الحرب، وهي: حصار مستشفى الشفاء، ومجزرة الطحين، وقتل موظفي منظمة “وورلد سنترال كيتشن”.

نُشرت الورقة العلمية في “Journal of Applied Journalism & Media Studies”، في العدد المنشور في أبريل 2025 وتُقدم “أثير” ملخًصا لأبرز ما ورد فيها.

الأهداف والمنهج

هدفت تحليل كيفية تصوير الفلسطينيين في التغطية الإخبارية خلال الحرب، واستخدام نظرية التأطير الإعلامي لتفكيك السرديات والبُنى الخطابية التي صاغت هذه التغطيات، بما يشمل تحليل الجهات الفاعلة، المصادر، والرموز المستخدمة، كما اعتمدت الدراسة على تحليل نصي لعدد من المقالات ومقاطع الفيديو الصادرة عن BBC وi24 News، تم اختيارها وفق معايير منهجية مدروسة لضمان التوازن والتمثيل.

واستُخدم إطار تحليلي مكون من أربعة محاور رئيسية: السردية، والأطراف الرئيسية، والمصادر، والرموز، بهدف الكشف عن الدلالات الخطابية التي تؤثر في تشكيل الرأي العام المحلي والدولي تجاه القضية الفلسطينية، وتحديدًا في سياق حرب تُوصف على نطاق واسع بأنها تحمل مؤشرات إبادة جماعية.

تغطية i24 News: التماهي مع الرواية الرسمية الإسرائيلية

خلصت الورقة إلى أن تغطية i24 News هيمنت عليها سردية “مكافحة الإرهاب”، حيث صُوّر الفلسطينيون إما كتهديد إرهابي محتمل أو كضحايا ثانويين غير مرئيين. فعلى سبيل المثال، في تغطية حصار مستشفى الشفاء، أُطرت العملية العسكرية الإسرائيلية كـ“هجوم جريء ضد خلايا إرهابية“، بينما تم تجاهل السياق الإنساني وغياب أي إشارة لمعاناة المرضى أو العاملين في المستشفى.

وفي تغطية مجزرة الطحين، التي راح ضحيتها مئات المدنيين الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية، تبنّت القناة رواية الجيش الإسرائيلي الذي زعم أنه “أُجبر على إطلاق النار بسبب تهديد محتمل”، ووصفت الفلسطينيين بأنهم “اجتاحوا” المكان بشكل “عدواني”، مستخدمة ألفاظًا حيوانية مثل “الاجتياح” و“الزحف“، مما يُسهم في تجريدهم من إنسانيتهم.

أما في حادثة مقتل عمال الإغاثة من منظمة “وورلد سنترال كيتشن”، فقد غيّرت القناة من نهجها فجأة، وأقرت ضمنيًا بمسؤولية إسرائيل عن الحادثة، معتبرة ذلك “خطأ مأساويًا”، وهو ما يعكس، بحسب الدراسة، ازدواجية واضحة في التعامل مع الضحايا بناءً على هويتهم.

‏BBC: تغطية متوازنة شكليًا، متحيّزة مضمونًا

أظهرت الورقة أنها حاولت تحقيق توازن شكلي بين الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية، لكنها فعليًا منحت أولوية للسردية الأمنية الإسرائيلية. ففي العناوين الرئيسية والافتتاحيات، غالبًا ما تبدأ التغطيات من منظور الجيش الإسرائيلي، مثل “عملية لاستهداف أنشطة إرهابية في الشفاء”، ما يُعزز إطار “الأمن الإسرائيلي” ويُضعف الرواية الفلسطينية.

ورغم تضمين بعض الشهادات الفلسطينية والمصادر الطبية، فإن BBC كانت تُمهّد لهذه الشهادات بعبارات مثل “وفقًا لوزارة الصحة التي تديرها حماس”، ما يُضعف مصداقيتها في أعين الجمهور الغربي، كما أن معاناة المدنيين كانت تُقدّم بلغة باهتة أو بعبارات غير حاسمة، مثل “الوضع الإنساني الصعب” أو “الاشتباكات العنيفة”، دون توصيف دقيق لحجم الدمار أو تحميل المسؤولية بوضوح للطرف المُعتدي.

التوصيات

أوصت الورقة العلمية المؤسسات الإعلامية الكبرى بإعادة النظر في ممارساتها التحريرية خلال تغطية النزاعات، لا سيما حين تكون هناك فجوة أخلاقية وقانونية واضحة بين الطرفين، وقد وشدد الباحثان على أن استخدام مصطلحات فضفاضة مثل “نزاع” أو “صراع” يُسهم في تعويم المسؤولية، ويمنح الجناة خطابًا تبريريًا على حساب الضحايا.

كما دعت إلى ضرورة تمكين الرواية الفلسطينية من الظهور بموضوعية، من خلال الاعتماد على مصادر محلية موثوقة لا يتم تقويضها مسبقًا، وعدم استخدام أوصاف تشكك في مصداقيتها دون دليل، وأشارت الدراسة إلى أهمية التفريق بين الحياد المهني والتواطؤ الصامت، خاصة في حالات تتعلق بجرائم حرب وإبادة جماعية.

يمكن الاطلاع على الورقة العلمية كاملة عبر هذا الرابط

مصدر الصورة: المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة

Your Page Title