أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
بعد بزوغ فجر النهضة العمانية الحديثة على يد بانيها ومجدد مجدها، السلطان قابوس بن سعيد ـ طيّب الله ثراه ـ التي انطلقت من مدينة صلالة في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م، إيذانًا ببداية عهد جديد حافل بالآمال والتطلعات نحو بناء دولة عصرية حديثة؛ اتخذ السلطان الراحل قراره بالتوجه إلى مسقط، عاصمة البلاد السياسية منذ عهد السيد حمد بن سعيد بن أحمد في عام 1784م.

وحينما وطئت قدما جلالته مطار بيت الفلج، كان في انتظاره استقبال شعبي حافل، حيث احتشدت جموع المواطنين مرحّبة ومبتهجة، وكأنها تستقبل فجر المستقبل المشرق الذي طال انتظاره بعدما استمعوا إلى ملامح منه من خلال الخطاب الأول للسلطان قابوس والذي حمل آمالًا وتطلعات عريضة ببناء دولة عصرية حديثة، وبزوال العديد من القيود السياسية والاجتماعية التي كانت مفروضة وقتها.


وما إن ترددت الأنباء عن قرب وصول السلطان قابوس إلى مسقط، حتى بادر عدد من شباب المدينة وشخصياتها بتشكيل فريق شعبي للإعداد والتحضير لاستقبال جلالته، وقد ضم هذا الفريق عددًا من الشخصيات البارزة، من بينهم معالي قيس بن عبد المنعم الزواوي، ومعالي محمد بن الزبير، وحامد بن عبدالله بن سالم الغيلاني، والأستاذ أحمد بن سالم آل جمعة، إلى جانب نخبة من الشباب المتحمسين لخدمة وطنهم.
انطلقت جهود الفريق بسرعة وحماس، حيث قاموا بشراء كميات من القماش الأحمر من سوق مسقط، إضافة إلى بعض الأصباغ، وشرعوا في إعداد اللافتات الترحيبية بأنفسهم. وقد تم تجميع الشباب في معسكر عمل أقيم في بيت الزبير بن علي، حيث انهمكوا في كتابة العبارات الترحيبية بخط اليد، تمهيدًا لتعليقها على بوابات المدينة ومداخلها

ولم تقتصر مظاهر الاستعداد على الجهود الشعبية فحسب، بل شارك أيضًا عدد من المؤسسات الحكومية رغم محدوديتها آنذاك في هذه اللحظة التاريخية، حيث بادرت بلدية مسقط ومطرح مثلًا إلى إعداد لافتات ترحيبية، تم تعليقها في أبرز مداخل مدينة مسقط، في مشهد اتّحدت فيه إرادة الشعب والمؤسسات ترحيبًا بالقائد الجديد وببزوغ فجر عهد النهضة

وقد نشرت صحيفة ديلي إكسبريس البريطانية في عددها الصادر يوم الجمعة 31 يوليو أنه "سافر الحاكم الشاب الجديد للدولة العربية في مسقط وعمان اليوم بطائرة نفاثة للقاء شعب عاصمته لأول مرة. وقد استقبلوه استقبالًا جماهيريًا حافلًا - آلاف منهم يرقصون في حرارة الشوارع الطينية، بينما تلمع مقابض خناجرهم الفضية في الشمس وبادلهم السلطان ذلك الترحيب بوعدٍ كبير: أن يُدخل القرن العشرين إلى هذا البلد، حيث لا يزال كثير من الناس يعيشون في ظلال الماضي“.

وبعد وصوله إلى مسقط أقام السلطان قابوس في البيت الذي كان يسكنه الرائد شونسي، القنصل البريطاني في مسقط مطلع الخمسينيات الميلادية، ومستشار السلطان سعيد بن تيمور فيما بعد، وذلك لحين الانتهاء من الترميمات الخاصة بقصر العلم.
