أخبار

كرة القدم في غزة تُعدم بالكامل: الاحتلال الإسرائيلي قتل اللاعبين والمدربين والحكام والمشجعين

كرة القدم في غزة

أثير - علاء شمالي

في غزة، لم تترك الحرب مساحة للحياد، لم يكن في المستطيل الأخضر أي سلاح، ولا في المدرجات أي تهديد، لكن الصواريخ اختارت أن تصيب قلب الرياضة.

هذه ليست قصة عن مباراة أُلغيت أو بطولة تأجلت، إنها قصة عن رياضة أُعدمت بكل عناصرها، فلم يكن للرياضة مهرب من الموت، فالكرة التي كانت تجمع الشبان في الأزقة والميادين، أصبحت الآن شاهدةً على غيابهم، تتدحرج في الفراغ، ولا أحد يركلها.

هنا، لا يُصفّر الحكم، بل تُصفّر الصواريخ، لا تُرفع الأعلام ابتهاجًا، بل الأجساد على الأكتاف، لا يُطلق المعلق صوته في نشوة الهدف، بل يُطلق المؤذن نداء صلاة الجنازة.

كانت كرة القدم، بالنسبة لشباب غزة، أكثر من مجرد لعبة، كانت مهربًا مؤقتًا من الحصار، فرصة لحلم أكبر من الجغرافيا، لكن إسرائيل لم ترَ في هذا الحلم إلا تهديدًا يجب قصفه.

لم تستثنِ أحدًا من عناصر اللعبة، قضى اللاعبون وهم يحلمون بملاعب أفضل، ومات المدربون قبل أن يشرحوا الخطة، واستُهدف الحكام دون أن يمنحهم الموت فرصة الإنذار الأخير، ودُفن المشجعون تحت مدرجات تحوّلت إلى أطلال.

هذه ليست قصة رياضية، بل شهادة على إبادة صامتة، طالت وجهًا من أوجه الحياة في غزة، تُمارس بلا ضجيج… وبلا صفارات اعتراض

اللاعبون: لم يسجلوا أهدافًا، بل سُجلت أسماؤهم في قوائم الشهداء

في ملعب اليرموك، خلت غرف تبديل الملابس من ضحكات اللاعبين، العديد منهم رحلوا شهداء ودفنوا مع أحلامهم التي حملوها كمثل، محمد الملفوح (23 عامًا) لاعب نادي شباب جباليا إذ كان مهاجمًا يُلقب بـ“الفرس السريع“، سقط شهيدًا في قصف استهدف منزله.

كان 95 لاعباً طفلاً يحملون أحلاماً أن يكونوا لاعبين دوليين ويحملون العلم الفلسطيني في بطولات عالمية، لكن الاحتلال أنهى حياتهم وأحلامهم وأصبحوا في عداد الشهداء.

ملعب اليرموك “أحد أشهر الملاعب الفلسطينية التاريخية” احتضن آلاف المباريات وكل شخص في غزة له ذكرى معه سواء كان لاعباً أو مشجعاً، أو طفلاً كان يحلم يوماً أن يلعب على عشبه الأخضر، لكن لم يتخيل أحداً أن البعض يُدفن في هذا الملعب بعد أن حوله الاحتلال لمقبرة جماعية ومركز اعتقال للمدنيين الفلسطينيين.

المدربون: خططوا لتشكيلات الغد .. فوجدوا الموت أسرع

في غزة، حيث كانت أحلام كرة القدم تنمو مع كل تدريب وكل تشكيل جديد، جلس المدربون يخططون ليوم الغد، يوزعون اللاعبين، يرسمون تحركاتهم، يختارون من بينهم من سيقود الهجوم ومن سيقف صامدًا في الدفاع.

لكن في هذه الأرض المحاصرة، كانت الحرب تقترب بخطى لا تهدأ، والموت لم ينتظر. سرق منهم الغد قبل أن يبدأ، وحول ملاعبهم إلى ركام، وحول قلوبهم إلى حُفر من الألم. كانوا يصنعون أبطالًا في الملعب، فوجدوا أنفسهم محاربين خارج الأسوار، في معركة لا تكسب إلا بصمود الأرواح.

مدربون خططوا لتشكيلات الانتصار، لكنهم وجدوا أن البقاء على قيد الحياة هو التحدي الأكبر، وأن كرة القدم باتت حلمًا مؤجلًا خلف سواتر من الدخان والدموع.

الحكام: صافرتهم لم تكن كافية لإيقاف الموت

في ساحات كرة القدم، كانت صافرة الحكم هي الصوت الذي يوقف اللعب وينظم اللحظات، لكن في غزة، لم تكن تلك الصافرة قادرة على إيقاف أصوات القصف ولا على إنقاذ أرواح الأبرياء.

الحكم الدولي هاني مسمح، صاحب البصمة الهادئة في الملاعب، لم يكن يرفع الكرت الأحمر إلا للضرورة، لكن القصف لم يمنحه فرصة النداء الأخير فقضى شهيداً كما بعض زملائه الذين قتلوا أو أصيبوا خلال الحرب، فكانت صافراتهم رمز النظام، لكن لا نظام يحكم طائرات لا تفرّق بين مدني وعسكري، بين رياضي ومقاتل.

كان الحكام يديرون المباريات أمام آلاف المشجعين الذين يشهدون المباريات على مدرجات الملاعب وخلف شاشات التلفاز، لكن بعض الحكام رحلوا دون أن يُصلى عليهم أو يراهم إلا بعض أفراد ليسوا أكثر من عدد أصابع اليدين.

المشجعون: لم يكونوا في مدرجات، بل تحتها

المدرجات انهارت، ليس بفعل حماس الجماهير، بل بقصف صاروخي مباشر، فقد كان من المقرر أن تقام مباراة جماهيرية في ملعب اليرموك يوم السابع من أكتوبر، حيث كان جمهور نادي الشجاعية يتجهز للذهاب للملعب من أجل دعم فريقه، لكن كل شيء توقف فلم يحضر اللاعبون ولا الحكام ولا المشجعون وكان الحضور فقط للصواريخ والطائرات والقصف الذي حول الملعب إلى ركام.

عائلات بأكملها من مشجعي الكرة قضت في منازلها أو في أماكن لجوئها/ غزة التي كانت تُزيَّن بألوان الأندية المحلية خلال البطولات، أصبحت مدينة يخيّم عليها السواد.

العالم صامت.. و“الفيفا” لا يرى

رغم تقارير موثقة وشهادات صادمة، لم يصدر عن الفيفا أو الاتحادات الرياضية العالمية أي موقف جاد أو حتى تضامن رمزي مع ما جرى، كأن أرواح اللاعبين الفلسطينيين لا تدخل ضمن “الروح الرياضية” التي تتغنّى بها المؤسسات الدولية.

فقد قتلت إسرائيل جميع عناصر المنظومة الرياضية في غزة، لكن لا زال منتخبها وأنديتها يلعبون في كل الدول دون عقوبات أو محاسبات، وكأن ما انطبق على روسيا من عقوبات واستبعاد من كأس العالم بسبب حرب أوكرانيا، لا ينطبق على إسرائيل التي ارتكبت جرائم حرب واضحة المعالم أمام العالم.

لم تعد هناك لعبة لتُلعَب

في غزة، لم يتبقَ فريق ليدخل الملعب، ولا حكم ليدير اللقاء، ولا مدرب ليصرخ من الخط، ولا جمهور ليهتف من المدرج.

لم تعد هناك مباراة، فقط صمت ثقيل، وملعب مكسور، ودماء تُكتب على العشب اليابس: “هنا كانت كرة القدم… قُتلت بالكامل.

أرقام

قال مصطفى صيام الأمين العام للاتحاد الفلسطيني للإعلام الرياضي أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة حتى شهرها العشرين أسفرت عن مقتل 708 رياضيين فلسطينيين، منهم 369 لاعب كرة قدم، بينهم 95 طفلاً، وتدمير 273 منشأة رياضية في القطاع.

ودمرت إسرائيل جميع ملاعب كرة القدم الرسمية الخمسة التي كانت تقام عليها المباريات وتحضتن آلاف الجماهير، فقد أضحت هذه الملاعب إما مقابر جماعية أو معسكرات لنزوح آلاف العوائل التي لم تجد مكاناً تنصب فيه خيامهم إلا هذه الملاعب التي أصبحت رمادًا.

Your Page Title