أثير - أحمد الحارثي
ثمة لحظات في مسيرة المنتخبات الوطنية تزينها الأرقام، لكنها حين توضع تحت مجهر الوعي والتحليل، لا تكشف إلا عن حقائق موجعة تخفي خلفها هشاشة المشروع وغياب الرؤية.
هذا تمامًا ما ينطبق على تأهل منتخبنا الوطني إلى الملحق الآسيوي المؤهل إلى نهائيات كأس العالم. نعم، تأهلنا، لكن بأي وجه؟
بأداء باهت، وتعادلٍ جاء في اللحظات الأخيرة، وواقعٍ لا يطمئن… بل يحزن.
ورغم الجهد الذي بذله اللاعبون، والذي يشكرون عليه ضمن حدود ما يملكون من إمكانيات، فإن السؤال الجوهري يظل معلقًا: إلى متى نظل نراكم الجهود الفردية في غياب مشروعٍ وطني شامل؟ متى ندرك أن الروح وحدها لا تكفي، إن لم تسندها منظومة فنية واضحة وخطة طويلة المدى؟
غياب الجرأة في الخيارات الفنية، وافتقارنا لهوية هجومية، وتحفّظ مفرط جعلنا نلعب وكأننا نخشى الانتصار أكثر من خشيتنا الهزيمة. كل ذلك جعل من التأهل - في حقيقته - تأهلاً بالحد الأدنى، لا يُبنى عليه الكثير، ولا يُخفي ما هو أكبر من مجرد نتيجة.
ولعل ما يجعل هذا التأهُّل بطَعم الخَيْبة حقًا، هو إدراكنا أن هذا العبور لم يكن ثمرة لتخطيط سليم أو تصاعد في الأداء، بل مجرد نتيجة هامشية لا تعكس عمق المشكلة. وهنا يفرض العنوان نفسه كسؤال جوهري: هل نملك الشجاعة لننظر في المرآة؟ لنُواجه ما أخفقنا فيه، لا ما نود تصديقه.
الأمر المؤلم أن منتخبات آسيوية كنا نسبقها بمراحل باتت اليوم تساوينا او تتقدمنا بخطى ثابتة. منتخبات لم تعتمد على الأسماء، بل على البرامج؛ لم تركن إلى التاريخ، بل أعادت رسم ملامح المستقبل بالتخطيط والاجتهاد والانضباط.
أما نحن، فما زلنا نُراهن على الموهبة الفطرية، ونُعلّق الإخفاق على شماعة الحظ أو الظروف، ثم نُزيِّن الخروج من الأبواب الخلفية بعبارات الإنكار: “تأهّلنا… وهذا هو المهم”.
لكن الملحق ليس منجزًا في ذاته، بل اختبارٌ أشد من المجموعة التي بالكاد تجاوزناها. اختبار لن يرحم الأخطاء المتكررة، ولا التردد الذي أصبح سمة ملازمة لقراراتنا الفنية.
الطريق إلى كأس العالم لا يُعبَّد بالرغبات وحدها، بل بالعمل، بالشجاعة، وبالصدق مع الذات.
ما نحتاجه اليوم ليس التطبيل، بل المراجعة. ليس التفاؤل الساذج، بل الشجاعة في طرح الأسئلة الصعبة: هل نملك ما يكفي لمجاراة من تأهل؟ هل المدرب على قدر التحدي؟ وهل المنظومة الفنية قادرة على تطوير هذا المنتخب بما يجعله منافسًا لا مكتملاً للعدد؟
إننا لسنا في لحظة إنجاز، بل في لحظة مفترق.
فإما أن نواجه الحقيقة ونتغير، أو نواصل التكرار وننتظر نتائج لا نملك مبررًا واحدًا لاستحقاقها.
ولأننا نحب هذا المنتخب، ونحلم بأن نراه في أكبر المحافل، فإن أقل ما يمكن فعله هو أن نصارح أنفسنا:
ليس كل تأهُّل يُحتفى به،
وليس كل عبورٍ يعني أننا على الطريق الصحيح،
وأحياناً، يكون الخطأ الأكبر هو أن لا نتوقف لنُصحّح الاتجاه