العمانية - أثير
يبرز متحف ”بيت المنزفة“ في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة على بُعد 60 كيلومترًا باتجاه الطريق المؤدي إلى ولاية ينقل كمعلم تراثي وسياحي يُجسّد عبق التراث العُماني، ويُعيد إحياء حقبة تاريخية تزيد على مائة عام، من منزل شُيِّد بجذور عائلية، إلى متحف يستضيف الوثائق السلطانية والتحف النادرة، وتتجلّى في المكان روح المبادرة المجتمعية التي تربط الحاضر بالماضي، وتجمع بين عبق التاريخ وروح العصر.
هذا البيت، الذي تم تحويله إلى أول متحف أهلي بمحافظة الظاهرة في 21 يناير 2024، يُجسّد رؤية وطنية تربط التراث بالمجتمع وتعزّز الهُوية الثقافية، كما يُسهم في تشكيل مستقبل اقتصادي وسياحي مزدهر.

يقع المتحف في قرية مجزي بولاية عبري، التي تتميز بموقعها الجغرافي الجميل، حيث تتربّع البلدة القديمة على إحدى التلال الشاهقة المُطلّة على واحات النخيل الغنّاء، وتشكل البلدة بتضاريسها المختلفة مزارًا سياحيًّا مميّزًا، وتشتهر أيضا بزراعة العديد من الفواكه، مثل التين والليمون والعنب، إلى جانب المزروعات الموسمية المتنوعة.
وقال خلفان بن راشد المعمري مالك ”متحف بيت المنزفة“ في تصرح لوكالة الأنباء العُمانية إن فكرة تأسيس المتحف انطلقت من رغبة عميقة في ربط التاريخ بالمجتمع، وإحياء إرث الأجداد بطريقة تُتيح للأجيال القادمة استكشاف ماضيهم بوعي وانتماء. وأضاف المعمري أنه من هذا المنطلق قام بترميم بيت العائلة وتحويله إلى متحف ينبض بالحكايات، ويفتح أبوابه للزوار، ويُجسّد علاقة حيّة بين الإنسان والمكان، وبين الذاكرة والمستقبل مشيرً إلى أنه عمل جاهدًا على ترميم بيت أجداده وتحويله إلى مزار سياحي ينبض بالذاكرة العُمانية الأصيلة ويتنقّل الزائر بين أروقته وكأنه يعبر الزمن، مستمتعًا بإطلالته الساحرة على أشجار النخيل والليمون والمانجو التي تُحيط بالمكان وتمنحه طابعًا بيئيًّا فريدًا حيث اتخذ المتحف اسمه ”المنزفة“، من مكان وجوده منذ أكثر من قرن.
ووضح أن تاريخ متحف بيت المنزفة يعود إلى أكثر من مائة عام، وفقًا لمجموعة من الوثائق والمراسلات الرسمية التي تحتفظ بها العائلة المؤسسة ويُنسب إلى الجد الثالث لخلفان المعمري، الذي عاصر السلطان فيصل بن تركي والسلطان تيمور بن فيصل، ولديه مراسلات متعددة تُبرز العلاقة الممتدة بين الأسرة المالكة ومشايخ قرية مجزي، الأمر الذي ينعكس بشكل جليّ في محتويات ”قاعة البوسعيديين“ لاحتوائها على نحو مائة وثيقة سُلطانية، إضافة إلى مخطوطات وخُطب ومواعظ ومراسلات نادرة، يصل عمر بعضها إلى ما يزيد على مائة وخمسين عامًا.
وذكر خلفان بن راشد المعمري أن قاعة مجزي في متحف بيت المنزفة تضم هي الأخرى مجموعة من المقتنيات التقليدية التي تُبرز ملامح الحياة العُمانية في حقب ما قبل النهضة، منها الفخاريات والسعفيات والمصنوعات الجلدية والحُلي النسائية لتعكس تفاصيل المعيشة اليومية في الريف العُماني.
ويحتفظ المتحف بتحف أثرية نادرة توارثتها العائلة، يُقدّر عمر بعضها بما يزيد على ألف عام، إلى جانب عدد من الخناجر التراثية تعود لعدة قرون منها خنجر منقوش يعود لأكثر من خمسمائة عام، ويُستدل على تاريخه من خلال النقوش المحفورة على ظهره، مما يُضفي على المعروضات قيمة تاريخية وثقافية عالية تُثري تجربة الزائر وتُعزّز حضور المتحف كمصدر معرفي وتراثي أصيل.
من جهته، قال عبدالله بن سليمان المعمري مدير متحف بيت المنزفة إن المتحف لم يُسهم في تنشيط السياحة بمحافظة الظاهرة فحسب، بل يعمل كذلك على دعم العملية التعليمية والتربوية من خلال استقباله المنتظم لوفود طلابية من مختلف المدارس والكليات، مقدّمًا لهم برامج تعريفية وتفاعلية تُرسّخ الارتباط بالتراث الوطني والتاريخ العُماني.
وأضاف أن هذه الزيارات تُتيح للطلبة الاطلاع على مجموعة من المقتنيات التراثية والأدوات التقليدية، منها الأسلحة والتحف والمعدات القديمة، التي تعكس أنماط الحياة في الحقب السابقة، وتُسهم في تعزيز فهمهم لجذورهم الثقافية والمجتمعية.
وذكر أن المتحف ينظّم مجموعة من الحلقات والفعاليات التي تستهدف غرس قيم المواطنة، وتعزيز الهُوية العُمانية الأصيلة لدى الطلبة مشيرًا إلى أن المتحف يُعد كذلك بيئة تعليمية داعمة للمناهج الدراسية، تُشجّع الطلبة على تنفيذ مشروعات وبحوث علمية تستند إلى مصادر موثوقة ومحتوى واقعي من البيئة المحلية، مما يُرسّخ دوره كمرفق معرفي وتربوي يخدم أهداف التعليم الوطني.
ووضح أن المتحف يُشكّل عنصرًا محوريًّا في تنشيط الحركة الاقتصادية في ولاية عبري، وعلى نطاق أوسع في محافظة الظاهرة، حيث نجح في استقطاب أعداد متزايدة من الزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها، مما أسهم في تعزيز المكانة السياحية والثقافية للمحافظة.

وأكد عبد الله بن سليمان المعمري أن هذا النشاط انعكس على المرافق التجارية والخدمية في المحافظة من خلال تحفيز مختلف القطاعات المحلية، إلى جانب تمكين مجموعة من الحرفيين والمنتجين المحليين من عرض منتجاتهم بالتعاون مع إدارة التراث والسياحة بمحافظة الظاهرة، كما أسهم المتحف في تنفيذ عدد من المناشط والفعاليات المجتمعية، بمشاركة فاعلة من جمعيات المرأة العُمانية.
ويُعد المتحف منصة لدعم التوظيف في قطاع السياحة، من خلال توفير فرص عمل مباشرة للشباب، لا سيما في مجالات الإرشاد وتنظيم الفعاليات، مما يُعزّز دوره كمرفق ثقافي وتنموي يدعم جهود التنمية المستدامة في المحافظة.
ويُمثل ”متحف بيت المنزفة“ نموذجًا حيًّا لمبادرات المجتمع المحلي في صون التراث الوطني، ويُجسّد تكاملًا فاعلًا بين الثقافة والاقتصاد والسياحة والتعليم، وتُروى أروقته العتيقة ووثائقه التاريخية ومقتنياته النادرة، حكاية وطن يُجدّد صِلته بجذوره، ويُسهم في بناء مستقبل معرفي وتنموي مستدام.
ويُواصل المتحف مع استمرار الدعم المؤسسي والشراكة المجتمعية، أداء دوره كمنارة ثقافية تعكس روح الهوية العُمانية ومكانتها في وجدان أبنائها وزوارها على حدٍّ سواء.