أثير – رصد
ترجمة : ريما الشيخ
بينما يلجأ معظم الناس في أيام الصيف الحارة إلى المشروبات الباردة لتخفيف العطش، تكشف أبحاث علمية وتجارب فعلية أن شرب الشاي أو القهوة الساخنة قد يكون وسيلة فعّالة لتبريد الجسم، قد تبدو الفكرة متناقضة ولكنها أثارت اهتمام الصحف والمراكز البحثية العالمية، لما تحمله من تفسير علمي دقيق يتعلق بآلية عمل جسم الإنسان في تنظيم حرارته.
كيف يبرد المشروب الساخن الجسم؟
أوضحت مجلة Smithsonian أن تناول مشروب ساخن يرفع حرارة الجسم الداخلية بشكل طفيف، إلا أن هذا الارتفاع يحفّز مستقبلات حرارية مثل TRPV1 في الفم والحلق، هذه المستقبلات ترسل إشارات إلى الدماغ لزيادة إفراز العرق وعندما يتبخر العرق من سطح الجلد، يستهلك الجسم طاقة حرارية في عملية التبخر، ما يؤدي إلى خفض حرارة الجلد بشكل ملحوظ، وبذلك فإن التأثير النهائي لا يكون زيادة في الإحساس بالحرارة، بل على العكس، تبريد الجسم من الداخل إلى الخارج.
تجارب فعلية على أشخاص
لم يقتصر الأمر على التفسيرات النظرية، بل تم اختبار الظاهرة في تجارب عملية، ففي دراسة أجراها البروفيسور Ollie Jay من جامعة أوتاوا داخل مختبر خاص بحرارة الإنسان، خضع مجموعة من الدراجين لاختبارات دقيقة، وتم تزويدهم بحساسات لقياس درجة حرارة الجلد والأيض، مع مراقبة العرق ودرجة حرارة الغرفة، وخلال التجربة، شرب بعض المشاركين ماءً ساخنًا بلغت حرارته 50 °C، بينما شرب آخرون ماءً بارداً.
النتيجة كانت مفاجئة: الذين شربوا الماء الساخن احتفظوا بكمية أقل من الحرارة داخل أجسامهم مقارنة بمن شربوا الماء البارد، والسبب كان زيادة إفراز العرق وتبخره بكفاءة في البيئة الجافة، وأكدت جامعة ماكجيل الكندية هذه النتائج، مشيرة إلى أن التبريد لم يكن ناتجًا عن المشروب نفسه بل عن التعرّق والتبخر اللاحق.
وفي تجربة مخبرية أخرى، شرب المشاركون الماء عند أربع درجات مختلفة (1.5، 10، 37، و50 °C)، وأظهرت النتائج أن أفضل توازن حراري للجسم تحقق عند شرب الماء الساخن (50 °C)، شرط أن يتبخر العرق بفضل تهوية كافية.
متى يكون التبريد فعالًا؟
صحيفة Southern Living أوضحت أن المشروبات الساخنة تُفيد فقط في الأجواء الجافة، حيث يملك العرق فرصة للتبخر، أما في المناطق الرطبة أو أثناء ممارسة التمارين الرياضية، فإن العرق يتراكم على الجلد ولا يتبخر، مما يجعل المشروبات الباردة أكثر فائدة في هذه الحالات، ولهذا السبب، يرى بعض الخبراء أن المشروبات الساخنة لا تصلح كخيار تبريدي في كل مكان، بل يعتمد الأمر على البيئة المحيطة.
آراء الخبراء
في تصريح لصحيفة Axios، قال الدكتور William Kornrich من مركز NYU Langone الطبي بالولايات المتحدة: عندما تشرب مشروبًا ساخنًا يبدأ جسمك بإفراز المزيد من العرق، وهذا التعرّق هو الذي يبرّدك فعليًا أكثر من المشروب البارد، طالما أن التبخر ممكن.
في المقابل، حذر خبراء مثل Douglas Casa وLarry Kenney، من الاعتماد على هذه الظاهرة في كل الظروف، مؤكدين عبر تقرير نشرته Southern Living أن المشروبات الباردة تظل أكثر أمانًا، خصوصًا في البيئات الرطبة أو أثناء الأنشطة البدنية المكثفة.
بين الثقافة والعلم
صحيفة The Sun البريطانية ربطت هذه النتائج بالعادات الثقافية لشعوب صحراوية مثل البدو في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا، الذين اعتادوا شرب الشاي الساخن حتى في أشد الأوقات حرًا، ورأت الصحيفة أن ما كان يُعتبر عادة اجتماعية قد يجد اليوم تفسيرًا علميًا يؤكد أن الجسم يستفيد من هذه المشروبات في مواجهة الحرارة.
ختامًا، تكشف هذه الدراسات أن شرب الشاي أو القهوة الساخنة في الصيف ليس مجرد تقليد ثقافي، بل قد يكون وسيلة فسيولوجية لتبريد الجسم في ظروف معينة، فعندما تتوفر بيئة جافة تسمح بتبخر العرق، يساعد المشروب الساخن على تحفيز التعرّق وبالتالي خفض الحرارة، أما في الأجواء الرطبة أو عند بذل مجهود بدني كبير، فإن المشروبات الباردة تظل الخيار الأكثر فاعلية، وبين هذا وذاك، يبقى الأساس هو الترطيب المنتظم للحفاظ على توازن الجسم وسلامته في مواجهة حرارة الصيف.
المصادر:
- Smithsonian Magazine
- McGill University Office for Science and Society
- Science Fictions Journal
- Axios – Finish Line
- Southern Living
- The Sun (UK)
- Live Science