أثير – جميلة العبرية
استعرضت الورقة البحثية «بواكير الخدمات الصحية الحديثة في ظفار في القرن العشرين» للدكتورة بواكير الخدمات الصحية الحديثة في ظفار في القرن العشرين للدكتورة أمل بنت سيف الخنصورية مشرفة تاريخ بوزارة التربية والتعليم بمحافظة شمال الباطنة، ملامح الحياة الاجتماعية والصحية في النصف الأول من القرن العشرين، ثم تتبّعت تأسيس الخدمات الصحية في السبعينيات.
وجاء في عرض الدكتورة خلال ندوة ذاكرة ظفار في التاريخ العماني إشارة إلى أن القرن الحادي والعشرين قدّم مقاربات توثيقٍ أعمق لإعادة قراءة تلك المرحلة عبر سجلات وتقارير وصور وخرائط، بما يثبّت سردية التحوّل من المعالجة التقليدية إلى منظومة صحية حديثة متنامية.

بواكير الخدمات الصحية في ظفار
اعتمدت الدراسة على السجلات البريطانية التي تناولت عُمان، وعلى ما أتيح في مكتبة قطر الرقمية وأرشيف الخليج العربي وكتب الرحالة؛ فجمعت شهادات إدارية وميدانية وصورية تُعين على رسم خريطة الأمراض والموارد والبنى الصحية في ظفار.
الأوضاع العامة والأوبئة
تُبيّن الورقة أن الأوضاع الاقتصادية كانت غير مستقرة؛ فلم يتم إنشاء مؤسسات صحية حكومية، وكان عهد السلطان سعيد بن تيمور (1932–1970) محدود الموارد رغم بوادر النفط. وظهرت انفراجات في الستينيات بعد إنشاء دائرة التنمية (1959م) التي أسندت مشاريع شقّ الطرق وتشييد المستشفيات والمراكز. أمّا صحيًا، فقد شاعت أوبئة وأمراض -غير مستوطنة عادة-باستثناء الملاريا التي تنشط بعد الأمطار. وحدّد نائب القنصل الفرنسي عام 1900م مسار الكوليرا من كراتشي إلى جوادر فمطرح فالداخل، ثم شمالًا إلى صحار ومسندم وساحل عُمان، وجنوبًا إلى ظفار. وفي صيف 1944م ظهر الجدري بمناطق عدّة (مسقط، صلالة، مصيرة) حيث طُعّم 4000 شخص وعُزلت 222 حالة في مخيمات. كما سُجّلت إصابات الدوسنتاريا؛ منها شكوى السلطان تيمور بن فيصل في رسالةٍ بتاريخ 2 أكتوبر 1927م، وذكر برترام توماس تعافيه منها بعد رحلة جبال القرا في 6 ديسمبر 1930م.
الطبّ التقليدي والمعالجون الشعبيون
في ظل غياب المؤسسات الحديثة نشط الطبّ التقليدي: التداوي بالأعشاب والكيّ والحجامة، ومن أعشاب ظفار: الميشطة، السِّيمر، هيبِك، زغوف، حيبض وغيرها. وبرز معالجان:
- السيد حسن بن عمر بن أحمد بن علوي عيديد (مواليد صلالة 11 أغسطس 1915م، تُوفي 25 يونيو 1993م): تاجرٌ جمع وصفات من مهتمين يمنيين ومن الطبّ الهندي والصومالي والأفريقي، جعل منزله عيادة، وترك مخطوط «مجموع الأدوية المُجرَّبة في الطب الشعبي العُماني».




- السيد محمد بن سالم بن عقيل برهام باعمر (تعلّم بحضرموت، عالج بالأعشاب وجبّر الكسور ومارس الختان والبيطرة، وكانت له عيادة منزلية، وعُرف بأعمالٍ تطوعية؛ ثم ترك العلاج العام مع افتتاح المؤسسات الحديثة، وتوفي 6 مايو 2019م).


جهود الإرسالية الطبية الأمريكية
- الدكتور ستورم (1932م): وصل 31 أكتوبر 1932م، ومكثت البعثة نحو سبعة أسابيع في صلالة. خُصصت لهم عيادة لإجراء العمليات، ونُفِّذت حوالي 75 عملية، بعضها في منازل مهيّأة، بل واستُؤجرت أكواخ من سعف النخل. عالجت الجولة حالات الملاريا والربو والجذام.

- الدكتور ويلز توماس (1944م): اكتشف أن تفشّي الملاريا مرتبط بتكاثر البعوض في الآبار، ولاحظ وجود «سمك الصِّد» الذي يلتهم يرقات البعوض؛ فأمر السلطان سعيد بوضعه في جميع الآبار بصلالة، فتمّ السيطرة على انتشار الملاريا، وفي أواخر 1950م عاد مع أسرته؛ خُصصت ثلاثة منازل للبعثة أحدها للعيادة، وفُحص الكثير من الأهالي وأُجريت عمليات.
المحاجر الصحية
اتُّخذت إجراءات للحد من انتشار الأمراض، منها المحاجر الصحية (أماكن العزل) بعيدًا عن التجمعات، واتخذ الأهالي بدورهم مواقع عزل قروية. ومن أشهر المحاجر بعد النصف الثاني من القرن العشرين:
مرباط، وصلالة، وطاقة ففي طاقة محجران على مرتفعات، أحدهما كهوف متقاربة تفصلها 20 مترًا ومبنية بالحجارة المرصوصة، وفي مرباط كانت المحاجر كهوفًا واسعة (محجر سيح صليل، أحمد بن هاشم، حنظيت شرق المنطقة)، وفي صلالة محجر مقبرة الشهداء شرق معسكر أم الغوارف وبجواره مقبرة قديمة، ومحجر وادي محشار، ومحجران في القوف الشمالية (بالمنطقة الصناعية الحالية، وقرب ضريح الني عمران)، وخامسٌ في الدهاريز الشمالية.
عيادة الحصن وبدايات التنظيم الحديث
أسّس السلطان سعيد بن تيمور عيادة الحصن بالمفهوم الحديث بصلالة؛ وتولّى إدارتها الطبيب أحمد شفيق الربيعي (تعلّم بالعراق ودرس الطب في بريطانيا وعمل بمستشفيات عراقية)، وكُلِّف بإعداد قائمة المعدات والأدوية لسنة كاملة، وشُحنت من بريطانيا إلى عُمان بواسطة سلاح الجو الملكي البريطاني في قاعدة صلالة الجوية، وكان طبيبًا للسلطان وأسرته.


سبعينيات النهضة الصحية
عام 1974م افتُتح مجمع صلالة للصحة العامة، واتُّبع أسلوب الطبيب الطائر، وفي 1975م زادت كفاءة الخدمات الوقائية والعلاجية في 10 مستوصفات (منها القوف بظفار)، وتدرّب 228 شابًا عمانيًا على الوقاية ومكافحة الأمراض والإسعافات، كما سُجّل عدم وجود تراخوما بظفار، وفي 1977م واصلت وزارة الصحة تقديم الرعاية عبر فرق طبية متنقلة برًّا وبحرًا وجوًّا.

مستشفى السلطان قابوس بصلالة
افتُتح المستشفى 22 يناير 1977م برعاية السلطان قابوس -طيّب الله ثراه- وبُني خلال عامين بطاقة 300 سرير. شمل صالة جراحية كبرى وصالتين للعمليات الصغرى، وأجنحة (الأطفال، والعيون، والدرن، والنساء والولادة، والأنف والأذن والحنجرة، والأسنان، والأمراض النفسية، والمعالجة الطبيعية، إضافة إلى الطوارئ والعيادات الخارجية والصحة الريفية.




الخدمات الطبية العسكرية
أنشأت الحكومة عيادة للقوات المسلحة وهي عيادة أم الغوارف بصلالة عام 1967م (سعة 8 أسِرّة)، ثم تحوّلت إلى مستشفى (22 ثم 44 سريرًا في 1975م)، وتولّى الفريق الجراحي في قاعدة صلالة الجوية العمليات، ثم تُحوَّل الحالات إلى أم الغوارف، بينما عولجت الحالات الخطِرة في المملكة المتحدة، وانتقلت خدمات أم الغوارف لتشمل منتسبي القوات المسلحة وعائلاتهم بمحافظة ظفا