علي بن سليمان الخليلي
قبل عام 2020، لم يكن الموظف العماني يتخيل أن يكون العمل عن بُعد خيارًا متاحًا. كما أن معظم الجهات الحكومية والخاصة لم تكن تملك البنية التقنية الكافية لتبني هذا النمط. لكن جائحة كورونا غيّرت أنماط الدراسة والخدمات والأعمال الحكومية والخاصة خلال أشهر قليلة، لتتحول إلى معادلة رقمية ومرنة بشكل لافت.
في السنوات الأخيرة، تصاعد النقاش عالميًا ومحليًا حول تقليل أيام العمل الأسبوعي وزيادة العطلة، مدفوعًا برغبة الأفراد في تحقيق توازن أفضل بين الحياة المهنية والشخصية، وبسعي المؤسسات إلى رفع الإنتاجية. وقد أثبتت التجارب الدولية أن الانتقال من نموذج (5 أيام عمل × 8 ساعات) إلى أنظمة أكثر مرونة مثل (4 أيام عمل × 8 ساعات) يمكن أن يحمل آثارًا عميقة على الموظفين والشركات والاقتصاد.
تجارب دولية
• المملكة المتحدة: أكبر تجربة من نوعها عام 2022 شاركت فيها 61 شركة وقرابة 2,900 موظف. النتائج أظهرت أن 92% من الشركات واصلت تطبيق النظام بعد التجربة، مع ثبات أو تحسن الإنتاجية وانخفاض الاستقالات بنسبة 75%.
• آيسلندا: بين 2015 و2019 شملت التجربة 2,500 موظف، وأثبتت أن تقليل الأيام لم يضر بالإنتاجية بل رفع مستويات الرضا الوظيفي إلى 86%. اليوم يتمتع العاملون في آيسلندا بخيارات عمل مرنة.
• اليابان: شركة “مايكروسوفت اليابان” طبقت نظام 4 أيام عمل أسبوعيًا وسجلت ارتفاعًا في الإنتاجية بنسبة 40% إلى جانب خفض استهلاك الكهرباء بنسبة 23%.
• دول أخرى مثل إسبانيا ونيوزيلندا وبلجيكا تبنت هذا التوجه، فيما كانت الإمارات العربية المتحدة سباقة إقليميًا لاعتماد نظام 4 أيام ونصف عمل مقابل عطلة أسبوعية من يومين ونصف.
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية
من خلال تجارب الدول وما توفر من بيانات، يمكن تلخيص أبرز التداعيات في النقاط الآتية:
1. الإنتاجية: التجارب تشير إلى أن تقليل أيام العمل لا يخفض الناتج المحلي الإجمالي، بل قد يرفعه من خلال تقليل الإرهاق وزيادة الكفاءة.
2. الاستهلاك: مع توسع وقت الفراغ، تنمو قطاعات الترفيه والسياحة والتجزئة، ما ينعش الاقتصاد المحلي.
3. سوق العمل: النماذج المرنة تقلل من معدلات الاستقالات وتساعد على جذب الكفاءات، ما يعزز تنافسية سوق العمل.
4. الصحة العامة: انخفاض مستويات التوتر والإجهاد ينعكس إيجابًا على الإجازات المرضية ويقلل الضغط على الأنظمة الصحية.
5. الاستدامة: يقلل من استهلاك الطاقة والنفقات التشغيلية، فضلًا عن خفض التنقل والازدحام، ما يخفف الضغط على البنية التحتية.
خاتمة
لم يعد تقليل أيام العمل الأسبوعي مجرد فكرة أكاديمية أو رفاهية شخصية، بل أصبح خيارًا استراتيجيًا تتبناه دول وشركات لتحقيق توازن مستدام بين مصلحة الأفراد والاقتصاد. ورغم أن النتائج قد تختلف من قطاع لآخر ومن دولة لأخرى، فإن الاتجاه العالمي واضح: المستقبل يتجه نحو أنظمة عمل أكثر مرونة وعدالة، تضع الإنسان والإنتاجية في كفة واحدة.
أما في منطقتنا العربية، فالنقاش حول هذا النموذج يجب أن ينطلق من طبيعة اقتصاداتنا وقطاعاتنا، إلا أن التجارب العالمية ترسل رسالة واحدة: التغيير ممكن، وعوائده الإيجابية تتجاوز مكان العمل لتشمل الفرد والمجتمع والاقتصاد ككل.
فمتى يمكن أن يرى قرارًا إستراتيجيًا من صناع القرار في هذا الشأن؟