أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
شهدت سلطنة عمان في مساء الخامس من أكتوبر عام 1985م حدثًا بارزًا تمثل في افتتاح قصر البستان، أحد أبرز المعالم السياحية والفندقية، والذي شُيّد في منطقة البستان بمحافظة مسقط ليكون معلمًا معماريًا فريدًا ومقرًا لاستضافة أعمال القمة السادسة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، جامعًا بين الفخامة العصرية وروح الضيافة العُمانية الأصيلة.


حفل الافتتاح
أقيم حفل الافتتاح تحت رعاية صاحب السمو السيد ثويني بن شهاب، الممثل الخاص للسلطان قابوس آنذاك، وبحضور جمع من أصحاب السمو أفراد الأسرة المالكة، وأصحاب المعالي الوزراء، وأصحاب السعادة أعضاء لجنة الإعداد لمؤتمر القمة، إلى جانب كبار رجال الدولة، في مشهد يعكس مكانة هذا الصرح وأهميته الوطنية والإقليمية.

وألقى صاحب السمو راعي الحفل كلمة وصف فيها القصر بأنه إنجاز عمراني كبير متعدد المنافع أسهم في تطوير منطقة البستان، مشيرًا إلى أنه من حسن الطالع أن يكون مؤتمر القمة السادس المزمع عقده في نوفمبر من العام نفسه هو أول مؤتمر يُقام في هذا الصرح، تعبيرًا عن ترحيب السلطان قابوس وحكومته وشعبه بإخوانه قادة دول مجلس التعاون.
وبعد الكلمة قام سموه بقص الشريط إيذانًا بالافتتاح الرسمي، ثم قام مع الحضور بجولة في القاعة الرئيسة وبعض مرافق القصر.

موقع القصر
بحسب ما أوضحه معالي محمد بن الزبير في تصريح لصحيفة عُمان في عددها الصادر يوم الاثنين 7 أكتوبر 1985م، فإن اختيار موقع قصر البستان جاء بعد دراسة مستفيضة، إذ كانت هناك مقترحات أولية لإقامته في مواقع أخرى. غير أن السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه - وجّه بإقامته في منطقة البستان عقب دراسة شاملة أثبتت تميّزها من جوانب عدة؛ فمن الناحية الجمالية تزخر المنطقة بمناظر طبيعية خلّابة وموقع بديع، ومن الناحية العملية فإن بعدها عن المنطقة التجارية بوسط العاصمة مكّن من سهولة انتقال أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون إلى قصر العلم العامر دون التأثير على حركة المرور في قلب المدينة. أما من الناحية الأمنية، فقد شكّل موقع القصر خيارًا مثاليًا يلبي متطلبات الاستضافة الكبرى.


أقسام القصر
عند افتتاحه، تكوّن قصر البستان من مبنى رئيس تتوسطه قاعة كبرى، يتصل به جناحان جانبيان، وقد خُصِّصت الأدوار العلوية الثلاثة من المبنى الرئيس لعدد من الأجنحة الفاخرة بلغ (48) جناحًا بمستويات متعددة، أُعِدّ بعضها خصيصًا لاستقبال أصحاب الجلالة والسمو قادة الدول. أما الدوران الخامس والسادس إلى جانب الجناحين فقد ضمّا ما يزيد على (215) غرفة مزدوجة مجهّزة بأحدث المستويات الفندقية في ذلك الوقت.


كما ضمّت الأدوار الأول والثاني والثالث من قصر البستان مركزًا متكاملًا للمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية، إلى جانب قاعات متعددة للاجتماعات، ومسرح حديث، وصالات فسيحة للمآدب ذات مداخل خاصة، وقد جُهّز هذا القسم بجميع التسهيلات التقنية اللازمة آنذاك، بما في ذلك أجهزة الإرسال والاستقبال الإذاعي والتلفزيوني، ومعدات الطباعة والتصوير، وأجهزة الحاسوب ومعالجة الكلمات، فضلًا عن عيادة طبية متكاملة لتقديم الخدمات الصحية الفورية.

أما القاعة الرئيسة لقصر البستان فتتفرّد بقبّتها الشاهقة التي يبلغ ارتفاعها نحو (38) مترًا، وقد شُيّدت على أحدث طراز معماري مستلهم من عناصر العمارة الإسلامية؛ ما أضفى عليها طابعًا مهيبًا يجمع بين الفخامة والهوية الحضارية.



مؤتمر القمة الخليجي السادس
شهد قصر البستان أولى محطاته الكبرى باستضافة أعمال القمة الخليجية السادسة، حيث نزل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون في ضيافة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيّب الله ثراه. كما استقبل القصر بعد ذلك كبار الضيوف الذين وفدوا إلى السلطنة للمشاركة في احتفالاتها بالعيد الوطني الخامس عشر، ليترسّخ منذ افتتاحه كصرح ضيافة ومركزٍ للمناسبات الوطنية والإقليمية البارزة.





وبمناسبة انعقاد القمة الخليجية السادسة وافتتاح قصر البستان، أصدر (بريد عُمان) بتاريخ 3 نوفمبر 1985م مجموعة تذكارية من طابعين. حمل الطابع الأول صورة السلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه - إلى جانب رسمٍ لأعلام وخريطة دول مجلس التعاون يتوسطها غصن زيتون رمزًا للترابط والتعاون بين الدول الأعضاء. أما الطابع الثاني فقد ضم صورة لصاحب الجلالة وقادة دول المجلس داخل أوراق زهرة متفتحة، تبرز في مركزها خريطة سلطنة عُمان، في دلالة فنية على مكانة السلطنة ودورها في محيطها الخليجي.

تحويل القصر إلى فندق
في أوائل ديسمبر من عام 1985م، تحوّل قصر البستان إلى فندق عالمي الطراز لاستقبال النزلاء والزوار من داخل السلطنة وخارجها، مع الإبقاء على بعض الأقسام الخاصة المخصّصة للمناسبات الرسمية والفعاليات الكبرى.


تجديد الفندق
في 30 أكتوبر 2018م، تم الاحتفال بإعادة افتتاح فندق قصر البستان بعد إجراء تجديدات جزئية شملت العديد من المرافق الحيوية، وذلك بهدف الحفاظ على مكانته كرمز للضيافة العمانية وضمان استدامة خدماته عالية المستوى منذ إنشائه في عام 1985م.
وشمل التجديد تحديث 120 غرفة من مجموع 250 غرفة بالفندق، بإدخال تحسينات كلية وجزئية في الديكور والأثاث بما يتوافق مع الهوية العربية الكلاسيكية للفندق، إضافة إلى إنشاء منطقة ألعاب للأطفال. كما طالت أعمال التجديد بهو الفندق ومنطقة الاستقبال، مع تحديث التصاميم والديكور والألوان، وتوسعة قاعة مجان التي تتسع لحوالي 800 شخص، وإزالة المسرح الثابت لزيادة القدرة الاستيعابية للقاعة. كما تم تجديد جميع قاعات الاجتماعات جزئيًا، بما شمل المصابيح والأنظمة الصوتية والمرئية ومساحات التجهيز المختلفة.


المراجع
- صحيفة الصحوة الإلكترونية. تقرير بعنوان “الاحتفال بإعادة افتتاح فندق قصر البستان بعد تجديدات جزئية”، 30 أكتوبر 2018.
- صحيفة عمان. عدد الخميس، 3 أكتوبر 1985
- صحيفة عمان. عدد الأحد، 6 أكتوبر 1985
- صحيفة عُمان. عدد الاثنين، 7 أكتوبر 1985م.