مسقط – أثير
انطلقت اليوم أعمال الملتقى الوقفي الثالث الذي نظمته مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية تحت شعار ”نحو وقف مبتكر وعطاء مستدام“، برعاية معالي الشيخ سالم بن مستهيل بن أحمد المعشني، المستشار بديوان البلاط السلطاني، وبمشاركة نخبة من المختصين والخبراء في القطاعين العام والخاص، وحضور أكثر من 350 مشاركًا من مختلف محافظات سلطنة عُمان.

ركز الملتقى هذا العام على تعزيز الدور التنموي للوقف في سلطنة عمان، وطرح رؤى عملية لتكامل الأوقاف مع العمل الخيري، إلى جانب تسليط الضوء على إسهام القطاعين العام والخاص في تحقيق الاستدامة وتوسيع الأثر المجتمعي.
وفي كلمة الافتتاح، ألقى الشيخ خليل بن أحمد الخليلي، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية، كلمة أكد فيها أن انعقاد الملتقى يأتي في إطار تعزيز أواصر التكامل والتعاون بين شركاء العمل الوقفي من مؤسسات وأفراد، وترسيخ الوعي الجمعي بأهمية استعادة الوقف لمكانته الحضارية في المجتمع.

وأضاف: يمثل الوقف أحد أرقى صور العطاء الإنساني، مشيرًا إلى أن المؤسسة ماضية في رؤيتها الرامية إلى تعظيم أثر الوقف وتنمية مجالاته بما يخدم التنمية الوطنية المستدامة، ويواكب تطلعات رؤية عُمان 2040 في بناء الإنسان والمجتمع.
وأكد أن المؤسسة تولي اهتمامًا خاصًا بتوسيع مجالات الشراكة مع الجهات الحكومية والخاصة والمؤسسات المجتمعية، دعمًا لدور الوقف في التعليم والصحة والابتكار والإنتاج المعرفي، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تأتي انسجامًا مع أهداف رؤية عُمان 2040 التي تجعل من العمل الوقفي رافدًا أساسيًا للتنمية الشاملة.
ودعا الشيخ الخليلي في ختام كلمته إلى مواصلة العمل بروح التكامل بين مختلف الجهات الوقفية، واستثمار الطاقات الشبابية في إدارة وتنمية الأوقاف، مؤكدًا أن الوقف يمثل رسالة حضارية خالدة تجسّد قيم العطاء والمسؤولية المجتمعية المتجذّرة في الهوية العُمانية.
من جانبه، تطرق سعادة السيد الدكتور منذر بن هلال البوسعيدي، نائب رئيس وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، في كلمته إلى مكانة الوقف كأداة داعمة لمسارات التنمية المستدامة، مبينًا دوره في تحقيق محاور الرؤية المتمثلة في المجتمع والاقتصاد والحوكمة والبيئة، ومؤكدًا إسهام القطاع الوقفي في بناء اقتصاد متنوع ومبتكر.
وأشار سعادته إلى أهمية تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية والمساءلة في إدارة الأوقاف، وتبنّي المعايير الحديثة في الرقابة والإفصاح، مع إبراز تكامل دور وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040 مع المؤسسات الوقفية لتحقيق الأهداف المشتركة.
كما دعا إلى تعزيز الشراكات الفاعلة بين المؤسسات الوقفية والقطاعين الحكومي والخاص، والتعاون مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية لتطوير حلول مبتكرة في إدارة الأوقاف، موضحًا أن التحول الرقمي أصبح ركيزة أساسية في تحسين كفاءة إدارة واستثمار الأصول الوقفية، وتعزيز الشفافية والثقة المجتمعية.
وتوزعت جلسات الملتقى على ثلاثة محاور رئيسية:
• المحور الأول: الابتكار والتقنيات الرقمية في تعظيم أثر المبادرات الوقفية والخيرية، وتناول فرص التكامل بين الأوقاف والقطاع الخاص ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية لبناء شراكات استراتيجية تحقق التنمية المستدامة. وقدمت خلاله أوراق عمل حول دور صحار الإسلامي في تحقيق رؤية عُمان 2040، واستثمار أموال الأوقاف في الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة (صندوق غراس الوقفي الاستثماري نموذجًا)، وتجربة بنك العز الإسلامي، إلى جانب تقنيات الاستثمار الوقفي المعاصر.
• المحور الثاني: الإطار التكاملي بين الوقف والمسؤولية الاجتماعية لتعزيز التنمية، وركز على إعادة تشكيل منظومة الوقف ليكون أداة فاعلة في دعم الاقتصاد الوطني وتمويل القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة، مع التأكيد على الحوكمة والتكامل المؤسسي لضمان الفاعلية والاستدامة. وقدمت فيه أوراق عمل حول التجربة الوقفية لفريق الرستاق الخيري، وأثر مبادرات المسؤولية المجتمعية على المؤسسة، والعلاقة التكاملية بين مؤسسة بوشر الوقفية وفريق نداء الخير ولجنة الزكاة، إضافة إلى تكامل الأوقاف مع مبادرات المسؤولية الاجتماعية (الفرص والتحديات).
• المحور الثالث: الوقف أداة استراتيجية لدعم الاقتصاد والتنمية، واستعرض أحدث الأساليب المبتكرة في إدارة وتنمية الأوقاف، بما في ذلك توظيف التكنولوجيا والتحول الرقمي لتعزيز كفاءة الأداء الوقفي وزيادة أثره التنموي. وشملت أوراق العمل: رحلة مؤسسة سراج الوقفية نحو التميز، وحوكمة العمل التطوعي في الفرق الخيرية ولجان الزكاة (فريق منح أنموذجًا)، والوقف وأثره في دعم العمل الخيري، ودور المؤسسات الوقفية والخيرية كحاضنة للتوظيف والتمكين المهني للباحثين عن عمل، إضافة إلى الأوقاف الشيعية الجعفرية في سلطنة عُمان.



وشهد الملتقى توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى مع صحار الإسلامي، وقعها عن مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية سيف بن سالم البوسعيدي، الرئيس التنفيذي، وعن صحار الإسلامي فهد بن أكبر الزدجالي، رئيس الصيرفة الإسلامية.
أما الثانية، فكانت مع مؤسسة الشيخ مستهيل بن أحمد المعشني الوقفية، ووقعها عن مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية سيف بن سالم البوسعيدي، الرئيس التنفيذي، وعن المؤسسة الثانية المهندس مسلم بن سعيد المعشني، عضو مجلس الإدارة.
وعُقدت على هامش الملتقى ورش عمل تدريبية استهدفت أكثر من 160 مشاركًا من قطاعات حكومية وخاصة ووقفية وخيرية، جاءت الأولى بعنوان ”قياس العائد من الاستثمار الاجتماعي“ برعاية الجمعية العُمانية للطاقة (أوبال) وقدمها عبداللطيف بن راشد المعمري وزهير بن إبراهيم البوصافي من شركة خمسين للأعمال، أما الثانية فكانت بعنوان ”التفكير الإبداعي والتحليل الاستراتيجي“ وقدّمها المدرب سعود بن محمد الرواحي.
كما شهد الملتقى جلسة حوارية ثرية جمعت قيادات العمل الوقفي والمسؤولية المجتمعية، استعرض خلالها المتحدثون تجارب ملهمة في الابتكار والحوكمة وتعظيم الأصول الوقفية، مؤكدين أهمية الشراكات بين القطاعين الوقفي والخاص لتحقيق تنمية مستدامة وعطاء متجدد.

وفي ختام أعماله، خرج الملتقى بعدد من التوصيات الهادفة إلى تطوير التكامل بين الوقف والمسؤولية المجتمعية والعمل الخيري في سلطنة عُمان، بما يعزز دوره في تحقيق أهداف رؤية عُمان 2040، ومن أبرزها:
- تثمير الأموال الوقفية عبر الصناديق الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ذات العائد المجزي، والاستفادة من الأدوات التمويلية المبتكرة مثل الصكوك الوقفية والوقف المشترك.
- تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين القطاع الوقفي والجهات الحكومية والخاصة والمجتمعية في تنفيذ المشاريع ذات الأثر الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
- استحداث مفهوم الوقف التنموي من خلال تفعيل برامج المسؤولية المجتمعية لدعم المبادرات الوطنية في التعليم والصحة والعمل الخيري.
- تخصيص نسبة من العوائد الوقفية لدعم برامج التمكين الاقتصادي وريادة الأعمال للفئات المنتجة من الأسر والشباب.
- إطلاق برامج تدريبية مجانية لتأهيل الكوادر العاملة في القطاعين الوقفي والخيري، مثل برنامج ”صُنّاع الأثر الوقفي“ المنبثق من برامج التدريب الشرعي بالمؤسسة.
- دعم الأبحاث والدراسات الأكاديمية والتطبيقية في مجالات الحوكمة والابتكار والاستثمار الوقفي لتعزيز الأداء المؤسسي.
- توظيف الإعلام والمنصات الرقمية في نشر ثقافة الوقف والتوعية بأهميته بأساليب حديثة تعزز المشاركة المجتمعية واستدامة العطاء الوقفي.