الأولى

عن “فيضان، ونزول جراد، وانتشار الموتة”: تقييد في مخطوط يعود إلى 1846م

مخطوط يعود إلى 1846م

أثير- تاريخ عمان

إعداد- د. محمد بن حمد العريمي

نوع الوثيقة: تقييد في مخطوط مصحف شريف

تاريخ التقييد: تواريخ عديدة.

مصدر التقييد: أرشيف خزانة الفاضل عبدالله بن علي بن عزّان المقيمي

يحوي التقييد المدوّن على إحدى صفحات المصحف الشريف الذي انتهى الناسخ الشيخ بخيت بن سليمان بن راشد المقيمي من نسخه في 15 رمضان من عام 1262هـ الموافق 6 سبتمبر 1846م، عدّة أخبار محلّيّة تتناول (طيوي) بشكلٍ خاص كونها المنطقة التي نشأ وعاش بها صاحب التقييد، أو عمان بشكلٍ عام.

ومن بين تلك الأخبار التي وردت في التقييد: خبر عن حلول الجراد ومكوثه لفترة، وخبر آخر عن هطول أمطار غزيرة خلّفت أضرارًا كثيرة وامتد أثرها من مسقط إلى طيوي، وخبر آخر عن تأثر عمان بالمتق وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وخبر عن حدوث وفيات عديدة بسبب أحد الأمراض الفتّاكة التي كانت تنتشر في عمان والمنطقة المحيطة بسبب نقص الإمكانات الطبية والعلاجية وقتها.

نص التقييد:

" الله أكبر إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون..

‏لقد نزل الجراد وعلمنا أنه في كل بلاء عقوبة من الله للعباد إذا طغوا بالفساد. نزل في يوم 22 المحرم ومكث إلى يوم 28 صفر وذهب الأثمار وأكل الخوص والأشجار ولا رده ضرب طبل ولا صايح ولا نار وذلك في سنة ١٢٨٠ والله المستعان.

ومن قدرته ولا عجب من أمره أنزل ماء من سماه في يوم 12 رجب ومكث إلى يوم 28 رجب ولا بقي بيت ولا حائط ولا جدار إلا وهو من مسكد على طيوي دعثار (خراب) سنة ١٢٧٧.

‏ تاريخ الموتة التي نزلت على بني آدم سنة ١٢٨١ من شهر الحج الأكبر

‏تاريخ المتق الذي نزل على طيوي سنة ١٢٩٥ وبلغت جونية الأرز ٥ قروش بالحاضر، والدين على ٧ قروش، والتمر ٣ أمنان بقرش ٤ بقرش، والظرفة البر ٧ قروش

‏تاريخ الموتة التي نزلت على بني آدم في كل مكان سمعنا وشاهدنا سنة ١٣١٧“.

وثيقة

ولعل المقيّد يقصد بالموتة التي حدثت عام 1281هـ (1865م) هو الوباء الذي حل بعمان نهاية تلك السنة والنصف الأول من عام 1282هـ ومات فيه عدد كبير من أهل عمان وبالأخص في سمد الشأن، وبعد، وما جاورهما بحسب ما ورد في المراسلات والتقييدات المتعلقة بتلك السنة في المصادر العمانية.

أما الموتة التي حدثت في عام 1317هـ، فيقصد بها المقيّد الوباء الذي حلّ في عمان أوائل سنة 1317هـ الموافق سنة 1899م وانتقل من العاصمة مسقط إلى عامة بلدان عُمان، فهَلكَ بسببه ناسٌ كثيرون.

وقد وقف الباحث سلطان بن مبارك الشيباني على رسالة في إرشيف زنجبار تحوي أحداثا خاصة بعام 1317هـ في عمان، وفيها:" خبر الموت عائث. في مطرح أنواعٌ منه حمى إلى يوم ويموت، أو بليت ويذهب، أو جدري، أو نوع من الضرب، وكل يوم 25 إلى 30 نفس. في مسكد أخف، حمى سالمة وبليت، وفي الحلل الخارجية نادر. في سداب أقل. في روي وبوشر كمطرح. في سمائل حمى وبليت وجدري“.

أهمية التقييد:

يعد هذا التقييد وثيقة بالغة الأهمية، لأنها تبيّن كيف كان المصحف الشريف يُستعمل أيضًا كـدفتر لتقييد الحوادث الكبرى التي عايشها الناس. هذه التقييدات تعطينا صورة دقيقة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية في عُمان خلال القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي.

ومن بين النقاط التي تبيّن أهميته:

1. قيمة التقييد كمصدر تاريخي: حيث إنه يوثّق كوارث طبيعية (جراد، أمطار مدمّرة) انعكست مباشرة على حياة الناس وزراعتهم، ويذكر أزمات اقتصادية (ارتفاع أسعار الأرز، والتمر، والقمح)، ما يكشف عن تذبذب حركة السوق المحلي وعلاقة طيوي بمصادر التوريد. كما يسجل أوبئة وأمراضا فتّاكة، ما يعكس غياب البنية الطبية وقتها وانتشار ما كان يعرف بالموتات الجماعية.

2. البعد المحلي والإقليمي: التقييد يعكس اهتمام المقيّد ببيئته المحلية (طيوي) بالدرجة الأولى، لكنه لا يغفل الإشارة إلى اتساع أثر بعض الأحداث لتشمل مسقط وغيرها من مناطق عمان. كما أن الأسعار الواردة (الأرز، والتمر، والقمح) تعطي مؤشرًا اقتصاديًا نادرًا يمكن مقارنته بمصادر أخرى، خصوصًا حول أزمة 1295هـ.

3. الجانب اللغوي والأسلوبي: النص يزاوج بين العبارة الدينية (الله أكبر – إنما أمره إذا أراد شيئًا...) وبين التوثيق الواقعي (التواريخ الدقيقة، وصف الحال، تحديد الأسعار)، بالإضافة إلى استخدام ألفاظ مثل (الموتة)، و(المتق) يضيء على المصطلحات الشعبية التي كانت سائدة لوصف الأوبئة والأزمات.

4. التواريخ الواردة في التقييد:

1277هـ: فيضان أو أمطار غزيرة أثّرت من مسقط إلى طيوي.

1280هـ: اجتياح الجراد الذي أتلف الزروع والأشجار.

1281هـ: انتشار “الموتة” (وباء فتاك).

1295هـ: “المتق” (مجاعة أو أزمة غلاء) مع ذكر تفصيل الأسعار.

المراجع

  • تقييد في مخطوط خاص بالمصحف الشريف. خزانة الفاضل عبدالله بن علي بن عزان المقيمي.
  • الشيباني، سلطان بن مبارك. الطواعين في الذاكرة العمانية، محبوب للنشر الرقمي، يوليو 2021.
  • الرحبي، خالد بن محمد. اتصال هاتفي، السبت 20 سبتمبر 2025.
Your Page Title